من دفتر الوطن

بيروقراطية.. فرانكو – سوريّة!

| فراس عزيز ديب

رغمَ عراقة النظام الإداري والقضائي في فرنسا، إلا أن تُهمَ البيروقراطية والبطء باتخاذ القرارات المهمة لا تتوقف، بل هناك أبحاث كثيرة جرت عن هذهِ المشكلة كان هدفها تحديد نقاط الضعف التي سمَحَت لـ«سلطة المكاتِب» بتشكيلِ حاجزٍ يمنَع تدفق إنجاز المطلوب بالسرعة المنطقية إنجازها.

في سورية لا أعرف إن كنا قد تأثرنا بفترة الانتداب الفرنسي علينا فحمل جسدنا الإداري هذا الفيروس، لكن من الواضح أن البيروقراطية السورية تبدو اليوم استثناء، وليست مجردَ مزيج «فرانكو – سوري».

البعض ربما لا يراها بيروقراطية بقدر ما هي مزاجية الموظف الذي لا يستطيع أحد ليَّ ذراعهِ، قد تبدو الفكرة منطقية لكن لا يمكن اختصار كل ما نعانيهِ بموظف تم تعيينه أساساً وفق المحسوبية والطرق الملتوية، أو بالحدِّ الأدنى أن يئسنا من طريقةِ تعاطي الكثير من الموظفين فلماذا لا نفكر بسحب الكثير من الأوراق الرابحة بين أيديهم.

مع كل تباشير لإنجازِ إصلاح إداري ما، أعود للحالة التشاؤمية من هذا الملف والتي لم تتبدَّل عندي قيد أُنملة، أساسها أن وزارة معنية بإنجاز إصلاح إداري هو إخفاق وتداخل في عمل وصلاحيات الوزارات لن يأتي بنتيجة، ومع كل حدث مرتبط بإظهار نتائج هكذا إصلاح، تظهر العيوب والثغرات البسيطة التي لم يتم تجاوزها فكيف لنا أن نقتنع بأنهم تلافوا ما هو أكبر، آخرها مهزلة الحصول على ورقة غير موظف؟

مبدئياً أستطيع أن أتفهم بأن منشأة للقطاع الخاص وضعَت هذه الورقة كشرط لحصول الشخص على وظيفة لديها، هم يريدون التأكد مثلاً بأن هذا الشخص سيتفرغ تماماً للعمل في منشأتهم، لكن أن يكون مجردَ التقدم لمسابقة في القطاع العام يستوجب الحصول على هذهِ الوثيقة، فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما:

الاحتمال الأول أن يكون فعلياً الهدف منها تحديد ما إذا كان موظفاً أم لا، أي إني كمواطن أحتاج لوثيقة من الحكومة لأثبت لها بأني لست موظفاً لديها! هل هذه نكتة؟ هل نظن الأمر مثنى وثلاث ورباع، هذه الوثيقة تثبت عدم الثقة بإداراتنا وإلا فكيف سيداوم الشخص في إدارتين بذات الوقت؟

الاحتمال الثاني، أن يكونَ الهدف من الوثيقة إدخال المال لخزينة الدولة لا أكثر، يبدو هذا الاحتمال هو الأدق، لكن حتى بهذه الحالة يمكننا الحصول على بدائل، لماذا لا يتم تحويل الوثيقة إلى طابع يشتريهِ المواطن ويتقدم للمسابقة على مسؤوليته، بعد نجاحهِ سيكون مطالباً باستصدار الوثيقة دونَ الحاجة لشراء الطابع من جديد، مع التذكير بأن عدد الناجحين لا يساوي شيئاً قياساً بعدد المتقدمين، أليست فكرة قابلة للتطبيق؟!

لنكن صريحين، إن ما شاهدناه من صور لشبانٍ وشابات بعمر الورود وما نقلتهُ كاميرا «الوطن» عن معاناتهم لاستصدار هذه الوثيقة، وما تسمعه من كلام للمسؤولين عن تراشق الاتهامات والتهرب من المسؤولية يثبت بأننا فعلياً لا نعيش إصلاحاً إدارياً، نحن نعيش تجميلاً هنا وهناك، علماً أن أُسس الإصلاح ترتكز على بدهيات منها المرونة وقابلية الابتكار السريع، عدا ذلك فإن كل ما نراه من إصلاح إداري هو أشبه بأن يزور أحدهم مركز إصلاح الأسرة عساهم يساعدونهُ في حلِّ مشاكلهِ الزوجية، فتستقبله موظفة هي أساساً مطلقة وزوجها رافض أن يسمح لها برؤية أطفالها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن