نظرة إلى الواقع الاقتصادي الحالي … غصن: لا تزال أمام الحكومة مساحة للتخفيف من تدهور الأوضاع المعيشية .. مرعي: نحتاج إلى مؤتمر وطني وبدون حل سياسي لن نستطيع الخروج من الأزمة
| هناء غانم
مع كل أزمة تظهر فرصة للإصلاح والإصلاح الاقتصادي في سورية قد يكون مرهوناً بعدة حلول لابد من تجاوزها، إنما الحاجة ملحة له دون أدنى شك، الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي زياد غصن يؤكد هذه النظرية من خلال محاضرته التي جاءت بعنوان «نظرة إلى الواقع الاقتصادي الحالي» ويرى أنه لا تزال أمام الحكومة مساحة متاحة لاستغلالها والعمل من خلالها للتخفيف أو على الأقل وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، طارحاً العديد من المحاور تركز بداية على أهمية إخضاع المؤسسات الحكومية على اختلاف مستوياتها ومهامها للمساءلة والشفافية، والعمل على تشجيع الاستثمارات المحلية من خلال توفير الضمانات الكاملة للمستثمرين المحليين وحماية استثماراتهم ومشروعاتها، لافتاً إلى ضرورة اعتماد سياسة تنموية تقوم على زيادة الإنتاج والاستهلاك معاً، وتوفر متطلبات تنفيذها وفق برامج زمنية تخضع للمراقبة والتقييم، والأهم مشاركة أصحاب الكفاءات والخبرات، داخلياً وخارجياً، في صناعة القرار الاقتصادي، وإبعاد معدومي الخبرة عن مواقع المسؤولية.
غصن أكد أنه على الحكومة أيضاً أن تشجع المنافسة وتوقف الاحتكارات المباشرة وغير المباشرة في جميع المجالات والقطاعات وأن يكون هناك تصور واضح لدعم حوامل الطاقة بالنسبة للقطاعين الصناعي والزراعي، لأنه من غير الممكن أن يكون هناك إحياء للصناعة والزراعة في ظل ارتفاع أسعار حوامل الطاقة أو حتى تحريرها.
غصن كان خلال محاضرته قد وضح الأسباب التي جعلت البلد عاجزاً حتى اليوم عن تحقيق مستويات عالية من النمو ومستويات معيشة أفضل للمواطن مع اقتراب دخول الأزمة السورية عامها الثاني عشر، لتعاني البلاد حالياً من وضع اقتصادي صعب، هذا الوضع الاقتصادي، تبلورت ملامحه مع نهاية عام 2019، وتعمقت أكثر خلال العامين التاليين 2020 و2021، ومن أبزر ملامحه موجات التضخم المتلاحقة، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة والموازنة العامة للدولة خير مؤثر لذلك التضخم، إضافة إلى تراجع سعر صرف الليرة الذي ترافق مع ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المقدمة للمواطنين وزيادة نسب الرسوم والضرائب وتراجع الإنتاج ما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر بشكل واسع، والتقديرات الأممية تتحدث عن دخول أكثر من 90 بالمئة من السوريين في دائرة الفقر.
وعن أسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية على هذا النحو رغم انحسار مساحة المعارك العسكرية، وحصول تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية بدءاً من أواخر عام 2018 أرجع غصن ذلك لعدة أسباب داخلية منها وخارجية تتمثل بغياب الإستراتيجية الحكومية للتعامل مع التطورات الاقتصادية، موضحاً أن معظم القرارات الحكومية الاقتصادية كانت أقرب إلى «ردات» الفعل منها إلى استشراف الأزمات والمشاكل، والحيلولة دون وقوعها أو التخفيف من تأثيرها، لا بل إن الكثير من السياسات الاقتصادية الحكومية كانت تسهم في زيادة الضغوط الاقتصادية… والدليل ما نشهده حالياً.
وقدم غصن إضاءة سريعة على واقع الأمن الغذائي للسوريين وفق بيانات رسمية خاصة أن هناك من يشكك بحجم التأثير الذي تركه تدهور الأوضاع الاقتصادية على المستوى المعيشي للمواطنين، ويعتبر أن الحديث عن وجود نسبة كبيرة من السوريين باتوا عملياً في خانة الفقر هو مبالغة أو تضخيم لظاهرة الفقر.
وبالأرقام أكد أن الحكومة بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي تم إجراء مسح للأمن الغذائي تم تحديثه في الأعوام 2017، 2019، و2020، إلا أن نتائج المسح لم تنشر وبقيت طي الكتمان باستثناء نتائج مسح عام 2017 التي نشر منها المكتب المركزي للإحصاء جدولاً واحداً فقط وتظهر بيانات المسح الأربعة بوضوح تأثير المتغيرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد على الأمن الغذائي للأسر السورية.
وحسب نتائج مسح عام 2015 فقد بلغت نسبة الأسر السورية الفاقدة للأمن الغذائي نحو 33.4 بالمئة انخفضت في المسح التالي الذي جرى في عام 2017 لتصبح عند 31 بالمئة ، ثم عاودت الارتفاع مع مسح نهاية عام 2020 لتصل إلى أكثر من 55 بالمئة .
أما نسبة الأسر المهددة بفقدان أمنها الغذائي فقد قدرت في مسح عام 2015 بحوالي 51.6 بالمئة وفي مسح عام 2017 تراجعت إلى 45.8 بالمئة نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية، التي أسهمت في وصول المواطنين إلى الغذاء وانسياب السلع بين المحافظات، وتراجعت كذلك في عام 2020 إلى نحو 39.4 بالمئة وهو تراجع كان بسبب انزلاق كثير إلى خانة انعدام الأمن الغذائي بفعل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وفي عام 2021 تعمقت حالة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر الفاقدة لأمنها الغذائي أو زيادة نسبة الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، وهذه قدرت في مسح عام 2020 بحوالي 8.3 بالمئة .وفقدان أسر كثيرة، ممن كانت تصنف على أنها ضمن الطبقة الهشة، لأمنها الغذائي. وهذا يعني أن نسبة الأسر الفاقدة لأمنها الغذائي سوف تزيد على 55 بالمئة (سواء كان انعداماً شديداً أو متوسط) ودخول بعض الأسر التي كانت تتمتع بأمن غذائي في دائرة التهديد بفقدان أمنها الغذائي. ووفق نتائج مسح نهاية عام 2020 فإن 26 بالمئة من الاستهلاك الغذائي للأسر، اتسم بأنه عالي التنوع، في حين أن هذه النسبة كانت تبلغ في عام 2015 نحو 66 بالمئة .والأسر التي اتسم استهلاكها الغذائي بأنه متوسط التنوع فقد بلغت نسبتها 27.4 بالمئة بعد أن كانت 22.4 بالمئة في عام 2015.الأخطر كانت في نسبة الأسر، التي يتصف استهلاكها بأنه منخفض التنوع، والتي وصلت إلى نحو 46.7 بالمئة مقارنة مع 9.6 بالمئة فقط في عام 2015.
وللخروج من ذلك لجأت 28.1 بالمئة من الأسر في سورية إلى بيع الأصول الأسرية (السلع المعمرة) بغية شراء الطعام، وتخفيض إنفاقها على المواد والخدمات غير الغذائية كالصحة والتعليم.و23.2 بالمئة من الأسر اضطرت إلى بيع أصول الإنتاج أو المستخدمة في الإنتاج وإخراج الأطفال من المدارس والبحث عن بدائل للعمل.و8.1 بالمئة باعت منزلاً أو أرضاً إلخ والأرقام تؤكد أن هناك 14.1 بالمئة من الأسر، التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، تكررت واقعة عدم وجود غذاء لديها مرة واحدة أو مرتين بالشهر26 بالمئة من الأسر، والتي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، تكرر بقاء أحد أفرادها من دون طعام يوماً كاملاً (لمدة 10 مرات أو أكثر شهرياً) و17 بالمئة من هذه الأسر أيضاً بات أحد أفرادها جائعاً ليوم واحد أو أكثر في الشهر.
المحامي محمود مرعي قال إن الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى الليبرالية وتحرير التجارة الخارجية التي أدت إلى السماح للبضائع الأجنبية بالدخول إلى البلاد، الأمر الذي زاد الفقر والبطالة كل ذلك أدى إلى وجود جزء مهمش من المجتمع نتيجة السياسات الخاطئة وبعدها جاءت الأزمة وسرقت المعامل والنفط والغاز من الأتراك.
مرعي أكد أن الخروج من هذا يحتاج إلى عقد مؤتمر وطني من خلال تكافل وتضامن كل المواطنين والأهم أن يكون هناك حل سياسي يخرج البلاد من هذه الأزمة الاقتصادية لأنه من دون حل سياسي لن نستطيع الخروج من الأزمة الاقتصادية.
وعن الحلول قال لابد من العمل على سياسة تخدم المواطن وزيادة الإنتاج لحل مشكلة البطالة والعمل على دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري وعودة الموارد أي الاعتماد على التنمية المستدامة.