ثقافة وفن

رد على ما نشر في «الوطن» عن «المياه العائمة».. وتعقيب «المحرر»

«المياه العائمة» ليست رواية تتشدق بالأخلاق..

رد على زاوية «السيد وزير الثقافة دمشق ليست المياه العائمة فمن أجاز تلويثها مع الإصرار» 

بقلم: زيد الشريف من براغ :

كنت أتمنى من السيد الكاتب إسماعيل مروة أن يكون موضوعياً في نقده لرواية يبدو أنه قرأها وفهمها من زاوية واحدة!.. فات الأستاذ مروة بأن رواية «المياه العائمة» لصميم الشريف، تنتمي إلى الأدب الواقعي، وأنا لا أعلم إلى أي نوع من الأدب ينتمي الأستاذ مروة، لأنني حقيقة ومنذ مغادرتي لدمشق منذ 35 عاماً، لم أهتم بأن أتابع أي موجة أدبية في الوطن العربي، ولو أن الموجات الأدبية «الإسلامية» التي تتشدق بالأخلاق وتقصف دمشق يومياً بالهاون وصلتني كلها سواء عن طريق الإنترنيت أو المحطات الفضائية العامرة (يعني بالعامية لم يفتني شي من ازدهار الحضارة العربية!!).
أسطر مقال الأستاذ مروة الذي قصف رواية صميم الشريف «المياه العائمة» بالأخلاقيات!، لا يوجد فيها أي نقد أدبي، وإنما قصفٌ أخلاقي فقط على غرار قصف دمشق الباطل!، لم أقرأ في مقالة الأستاذ مروة سطراً واحداً فيه تحليل لأبطال الرواية أو لتركيبتها أو لعقدتها أو لروحها أو حتى للوصف الدقيق للتاريخ والأشخاص الذين عاشوا في تلك الحقبة من الزمن (حقبة الأربعينيات من القرن الماضي).. الأستاذ مروة اكتفى بوصف الرواية بأنها لا أخلاقية فقط، وتسيء إلى دمشق. ولكن سؤالي هو أين الإساءة؟ هل في وصف ضرب الفرنسيين للبرلمان؟ هل الإساءة في وصف فقر حال المجتمع آنذاك، هل الإساءة في وصف كيف كان الناس يموتون بالآفات المعدية وبالسل والأمراض الفتاكة؟ هل الإساءة في وصف كيف كان نهر بردى يفيض ويغرق أحياء دمشق القديمة، جالباً الكوارث والجوائح لأهل الشام؟ أم إن الإساءة في وصف إضراب طلاب جودة الهاشمي؟ هل الإساءة في وصف فرار الطلاب إلى الغوطة من الفرنسيين وعملهم بحرق الجراد الذي هاجم الغوطة؟ أم الإساءة يا أستاذ مروة بأن بطل الرواية كان معجباً بأستاذه «صلاح» الذي دله على طريق الاشتراكية؟ هل هذه الإساءات هي الإساءات اللاأخلاقية الإباحية الجنسية التي أزعجتك في الرواية؟ أم أن عقلية النقاد والروائيين في الوطن العربي ما زالت كما تركتها قبل 35 سنة تعيش في أوهام الحب الأفلاطوني والرومانسيات المملة الكاذبة غير الواقعية.
أعتقد أن ما أزعج الأستاذ مروة أن الرواية نُشرت على الرغم من أنها لا لم تعجبه؟ وماذا في ذلك؟.. ليس بالضرورة أن تعجبه، وهناك كثيرون لا تعجبهم مؤلفات دوستويفسكي على سبيل المثال ويصفونها بالقاتمة، حتى إنه في بداية عهد الستالينية تم التفكير بمنع أعمال دوستويفسكي كلها لأنها تسيء إلى الفكر الشيوعي بشكل عام، وإلى المجتمع الروسي بشكل خاص، وتُظهر المواطن الروسي (برأي الشيوعيين الستالينيين) بأنه مجرد إنسان فقير مدمن على الكحول ويعاني من عقد نفسيه.. ولكن تلك النظرة الستالينية القاصرة التي وجدت في دوستويفسكي أديباً يسيء للأخلاق والروح الروسية كان لها أسبابها، فستالين الجورجي الفقير، لم يكن بإمكانه أن يفهم الأدب الرفيع للنبيل فيودور دوستويفسكي ابن مدينة موسكو العريقة، والذي عايش مآسي الإنسان الموسكوفي الفقير (ثم بالطبع فيما بعد البطرسبرغي) الرازح تحت حكم القياصرة، وذلك مثلما كان صميم الشريف ابن دمشق العريقة الحبيبة، شاهداً على مآسي أهل الشام الرازحة تحت حكم الاستعمار الفرنسي.
عندما ألف موزار عام 1786 أوبرا «زواج فيغارو» عن نص للكاتب الفرنسي بيير بومارشيه، قيل له لماذا ألفت أوبرا عن قصة ممنوعة تسيء للأخلاق والقيم والعادات في المجتمع الفرنسي وبالذات الباريسي؟.. نص بومارشيه كان ممنوعاً لأنه عرض الأخلاق كما كانت عليه في المجتمع الفرنسي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وخشي الملكيون العرض الصريح لممارساتهم، فنعتوه بالفضائحي وغير الأخلاقي!!، وكما نعرف فالنص والأوبرا اليوم يحتلان مكاناً فريداً في تاريخ الأدب والفن، ولا ينظر أحد إلى «زواج فيغارو» على أنها عملٌ يسيء لفرنسا والفرنسيين..
لا يمكن تقييم أي عمل سواء كان نصاً أدبياً أو عملاً موسيقياً أو فناً تشكيلياً، إلا بشكل متكامل. أما أن يُتهم أي عمل من الأعمال بأنه عمل لا أخلاقي، فضائحي، مخل بالآداب، بسبب صورة أو منظر أو مشهد، فهذا قصور وعدم فهم حقيقي واختزال، يشبه من يختصر أو يختزل الآية الكريمة «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» إلى «فويل للمصلين..».
وويل لنا حقيقة عندما لا نكون من دمشق ونتنطح للدفاع عن دمشق بالإساءة لابن دمشق صميم الشريف واتهامه باللاأخلاقية.. يحضرني هنا بالتداعي ما قاله أسوالد أشبنغلر في كتابه «سقوط الحضارة الغربية» ما معناه الحضارة يبنيها أبناء المدن فقط!.. أما بعد موت الحضارة فيقول أشبنغلر «فتتبدى القرية المعدومة الزمان، والفلاح ( الخالد) فينجب الأطفال ويدفن البذار في جوف أرضنا الأم.. وعلى وسط الأرض تترامى المدن العالمية، أواني فارغة لروح هامدة خامدة، حيث يعشش فيها بطيئاً بطيئاً، جنس بشري لا تاريخ له!» (تدهور الحضارة الغربية ج/2 – ص 662).
لا أريد أن أطيل أكثر، ولا سيما أن مفهوم الأخلاق يختلف من عالم إلى عالم ومن حضارة إلى حضارة ومن مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، ويصعب على ابن دمشق أن يحكم على أخلاق ابن براغ، مثلما صعب على الأستاذ مروة الحكم على أخلاق ابن دمشق..
.. في عصر الإنترنيت والمحطات الفضائية والحرب الكونية على سورية تبدو كلمة أخلاق التي نتشدق بها كلمة كوميدية!.. ربما لو عاش باروخ سبينوزا في عصرنا لما ألف كتابه الأخلاق.
يجب أن أقول في النهاية إنه في كل زمن وجد أشخاص استطاعوا أن يتجاوزوا رؤية مجتمعهم الأخلاقية القاصرة لفن أو أدب، وهنا أريد أن أشكر الهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة والسيد وزير الثقافة على الجرأة التي أبدوها في نشر كتاب والدي رحمه اللـه صميم الشريف، وينطبق عليهم حقيقة قول الشاعر الألماني الكبير غوته «سيئاتي من صنع عصري أما أخلاقي فمن صنعي أنا» فإذا كانت الوزارة الكريمة ممثلة بالسيد الوزير قد ارتكبت «سيئة» لا سمح اللـه بنشر رواية صميم الشريف «المياه العائمة» فما دفعها لذلك شعورها بأن المستقبل هو الذي يحكم ويقرر وبهذا تكون الوزارة قد سبقت عصرها، وعملت بذلك بالوظيفة التي ألقيت على عاتقها وهي رفع مستوى الناس إلى مستوى الكتاب والثقافة، وليس الهبوط بهم إلى الرؤية الفقيرة العاجزة التي وصفها أشبنغلر في ما جاء أعلاه!!.. ربما تفتح بذلك الطريق نحو الصعود إلى الحضارة وليس إلى تدهور الحضارة.. وشكراً.

هذا هو نص الرد كما وردنا من السيد الشريف من دون تدخل أو تصويب..

 

لا أحد يطلب منك الأخلاق… إنه مجرد تشدق!!

تعقيب: إسماعيل مروة :

نشرت الوطن 15/11/2015 مقالة رأي بعنوان «السيد وزير الثقافة: (دمشق ليست المدينة العائمة فمن أجاز تلويثها مع الإصرار) والحديث كله موجه إلى السيد وزير الثقافة ليبين للإعلام الآليات التي دفعت بالرواية إلى المطبعة مع أن أربعة تقارير لم تجز طباعتها..!! ووفق القوانين لا يجوز هذا من دون تسويغ، والقارئ معني بما يتم في ليل بهيم..! وكتبت هذه الزاوية ليس من باب التذوق، بل لأنني كنت عضواً في تقويمها، ورأيي لا يعني شيئاً لو كنت الوحيد، فقد قرأها ثلاثة قراء آخرون ورفضوا نشرها، علماً بأن الجميع وأنا منهم أشاد بالرواية، والتحفظ الوحيد كان أن تطبع في وزارة الثقافة! وبعد مداولات وزيارات مكوكية لابن المؤلف، شارك ابنه في هذه الزيارات الإقناعية قبل الرفض وبعده الدكتور علي القيم رئيس تحرير المعرفة، فكان أن طبعت الرواية في… لا أريد ذكر الآلية..!
كل ما أردته في الزاوية أن نعرف الأسباب، ولكن بما أن الأسباب حجبت فقد أدركنا التفاصيل، ولن نتطفل على وزارة يرى القائمون عليها أنها ملك شخصي لهم، ولا يعنيهم الرد، وكل ما كتب حول الرواية أعرفه، والانتقاد الحاد من د.علي القيم للمدير العام السابق كان بسبب الرواية، لأن المدير العام التزم بقراء الهيئة ولم يقم بالإيعاز بطبعها! وقد تركزت الزاوية حول:
– الخرق الذي تم في آليات الموافقة في الوزارة وليس في دار نشر خاصة.
– أن يقوم السيد الوزير بتحديد المسؤولية.
– إن كان القراء- في حالة الرواية كانوا من أصقاع مختلفة ورؤى متعددة- لا يعتد برأيهم فلا داعي للقراءة.
– صميم الشريف قامة فنية وأدبية عالية لا جدال حولها والرواية تستحق، ولكن ليس في مطابع الوزارة.
– ما من حق أحد أن يسيء إلى دمشق، وإن ادّعى أنه أحد أبنائها…
وحين لم تكلف الوزارة نفسها عناء الرد، ولم يجد السيد الوزير الشاعر والأديب الوقت للرد، جاءنا إلى «الوطن» ردّ من السيد (زيد الشريف) ابن المؤلف، وليت السيد زيد لم يفعل ولم يكتب رداً بهذا المستوى، وأجزم بأنه لم يقرأ الزاوية كما يجب، فكل ما جاء في الرد لا علاقة له بالزاوية، وإن كان قرأ الزاوية فالأمر كارثي لشخص ابن صميم الشريف ويعيش في براغ منذ 35 سنة حتى يمكن نعته بالمواطن «البراغي».
1- ليست رواية تتشدق الأخلاق، كذلك جاء العنوان وما من كلمة في الزاوية تدعو إلى الأخلاق، ولكن ليتمكن السيد زيد من الشتم أقحم الأخلاق ليضيف صفة التشدق، أما المدينة والعصر اللذان لا أعرفهما!! فأترك للسيد زيد معرفتهما في براغ، وليته يعلم كيف أعيش الشام، لا انتماء وهجرة يا صاحبي.
2- أدخل السيد نفسه وأقحمها في أتون حرب كلامية تافهة مستهلكة حول الهاون والجماعات الإسلامية، وقصف دمشق، ليحاول تصنيف كاتب الزاوية بأنه كاتب من هؤلاء الذين يقصفون دمشق، ورواية (المياه العائمة) هي التي ستنقذ دمشق من الهاونات والجماعات الإسلامية، عيب يا سيد زيد هذا الحديث الممجوج فنحن في دمشق وأنت خارجها لطباعة (المياه العائمة) وأعجب من مزايدة شخص يعيش في الغرب على أناس يحيون على دمائهم واتهامهم!
3- يتحدث عن المذهب الواقعي، أنا أول مرة أسمع بالمذهب الواقعي!! وسأل إلى أيها أنتمي، يا صديقي زيد أنا صحفي متمرن في جريدة الوطن، ولا أعرف شيئاً من هذه المدارس، لذلك أرجو أن تعذر جهلي بالرواية، وبالمذاهب الأدبية، وفي زيارتك القادمة أرجو أن تدلني على بعض الدراسات التي تزيد معلوماتي، لعلي أتدرج في الصحافة وتعرفني!!
4- الذي يعزز الرأي بأن السيد زيد لم يقرأ الزاوية هو ما تفضل به من أنني قصفت الرواية، ليشبّه فعلي بفعل من يقصف!! فما قلته عن صميم الشريف إنه أديب وقامة، وما قلته عن الرواية بأنها ممتعة وشائقة، فهل هذا قصف؟!
5- نعم قلت إن الرواية أساءت لدمشق، لكن لم أتحدث عن الأخلاق، ولو قرأ من كتب الردّ الزاوية لوقف عند عبارة- مع وجود الحالة- فأنا أعرف، مع أنني لا أعرف الواقعية أن المجتمع فيه، وللمرة الألف يا سيد زيد لا اعتراض على الرواية، أنا أتوجه للهيئة التي تخص السوريين ولا تخص المذهب الواقعي الذي تنتمي أنت والرواية إليه.
6- السيد زيد يعيد عليّ خطوط الرواية، وكأنني لم أقرأها، ولكن حبذا لو قرأ الخط الذي تم الاعتراض عليه، وقام بنفسه بمحاولات لتهذيبه، ولو لم يكن مقتنعاً لما حاول التغيير والتزوير في نص روائي بعد وفاة المؤلف!!
أليس تزويراً ما قمت به مع الآخرين في الحذف والتعديل في نص لكاتب واقعي راحل… ومن ثم تأتي لتدلس على القارئ وتسرد المحاور التي أشدت بها، ونسيت في غمرة واقعيتك أن تشيد بما لم أنسه من عمل عمال المقالع والنافعة، المهم أنك حذفت وزورت في عمل صميم الشريف وهذا ليس من حقك، وكان الأجدى أن تطبعه على نفقتك أو في أي دار، وليس في هيئة عامة تخضع للتحكيم الذي لم يعجبك.
7- أهم ما في الموضوع، وهو ما أشكر عليه الأستاذ زيد تلك المعارف التي أضافها لي، ابتداء من بيان المذهب الواقعي للرواية، إلى ستالين، وهو أدرى بما أنه يحيا في براغ، إلى موزار الذي لم أسمع عنه من قبل إلى غوته. الحقيقة أن المحاضرة التي تفضل بها الأستاذ زيد ستفيدني، وتغير من توجهاتي الأخلاقية!
8- مرة أخرى يضع السيد زيد الحرب الكونية على سورية مقابل زاويتي، وتوجه بالشكر للسيد وزير الثقافة على جرأته في نشر رواية والده صميم الشريف رحمه الله، فالسيد زيد يعلم أن الأمر جرأة، لكن جرأة على ماذا؟!
9- مع أن السيد زيد نسبني إلى الجماعات الدينية، إلا أنني أشكره لأنه علمني قراءة الآية الكريمة (فويل للمصلين) وأعده أن أعمل بها مستقبلاً.
10- أما حب دمشق من ابنها أو من غير أبنائها، فهذا معيب يا صديقي فسعيد عقل أهم من أعطى قريحته للشام وليس ابناً لها، وبما أن ثقافتي درويشة كمحرر متمرن أقول لك يا سيد زيد: إن الهرة أكثر مخلوق يحب أبناءه، ومن حرصه يخنقهم عند الفرار، لذلك قال الدمشقي الحقيقي نزار قباني: «فَقِدْمَاً لعق الهر من دماء بنيه» لا أريد أن أتعلم الواقعية، وسامحتك بالكتب التي ستعلمني المذاهب الأدبية إن كانت ستقوم على نهش طهر دمشق أيها الدمشقي النبيل..!!
يا سيد زيد ربما كنت لا تعرف، إن كاتب الرد لا يعرف علاقتي الوطيدة بصميم الشريف، ولا يعرف أنني أول من رثاه، ولا يعرف أنني شاركت في كتاب تكريمي عنه، ولا يعلم أنني طالبت وزارة الثقافة بنشر تراثه الأدبي والموسيقي… لكن لا أحد يستمع لمحرر متمرن في صحيفة محلية خاصة!!
أخيراً، كل زاويتي لا علاقة لها بالرد، وهي مجمل أسئلة موجهة للسيد الوزير، من حقكم ألا تردوا، ولكن ليس بإمكانكم تصنيفي، ولست ملزماً بالدفاع أو بيان من أنا، فما أكتبه هو الذي يعبر عني، وحياتي لذاتي وأصحابي وأحبابي كذلك قال السيد زيد، والعهدة على الراوي، كنت أتمنى على السيد زيد بعد 35 سنة من العيش في العالم المتحضر أن يبتعد عن أساليبنا المتخلفة في الشتم والاتهام وكيد المكائد، لكن يبدو أن السيد زيد يحافظ على أصالته وخاصة أننا وعدنا بزاوية أخرى، لأن آخر سطر في الرواية التي خضعت للتزوير يقول: انتهت الرواية يتبعها، وربما كانت الرواية قد أصبحت على مطابع الوزارة لمواجهة قصف الهاون الذي يأتي إلى دمشق!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن