قضايا وآراء

الأمم المتحدة بين النكبة وتبني الرغبات الصهيونية

| تحسين الحلبي

ربما لم يكن أحد يتصور أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 المتخذ في تشرين الثاني 1975 الذي يعد الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية ويطالب جميع دول العالم بالتنديد بها وبمقاطعتها، سيتعرض للإلغاء بعد 16 عاماً بقرار تشطبه الأمم المتحده وتنزع عن الصهيونية العنصرية والعدوان من جمعيتها العامة نفسها في كانون الأول عام 1991، وربما لم يتصور أحد أن يطل علينا عام 2022 في 20 كانون الثاني بقرار صادر عن الجمعية العامة يطالب كل حكومات العالم وشعوبها وأفرادها بالامتناع عن نفي الصيغة التي وضعتها الحركة الصهيونية وإسرائيل لتعريف «المحرقة» وحددت فيها عدد ضحاياها اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية بستة ملايين فرد، فقد جاء في نص قرار الجمعية العامة أن «المحرقة» تمثل جريمة «إبادة شعب» و”تصفية وجوده كليا» على حين أن الحركة الصهيونية ما تزال تنفذ خطة إبادة شعب فلسطين وتصفية وجوده وتاريخه فوق أرضه.

كما نص القرار على «منع نشر أي خطاب أو عبارة أو إعلان ينفي تعرض «اليهود لهذه المحرقة» أو يضع عدداً لضحاياها «يقل عن ستة ملايين أو يتساءل حول وقوعها أو عدم وقوعها أو يشكك في أنها لم تقع»، بل نص القرار على عدم نفي أنها نفذت «على شكل قتل جماعي وتجويع وتعذيب»، وهو ما نفذته الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني أمام أعين العالم كله.

وجاء في نص القرار أيضاً أن «أي شكل من أشكال النفي يعد معاداة للسامية»، أي لليهود، ويطالب النص «كافة الدول والمنظمات الإقليمية ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وكافة الجاليات الدينية ووسائل الإعلام بالالتزام بهذا القرار ومحاربة العنصرية ومنع خطاب الكراهية ومنع نشر أي معلومات لا تتطابق مع تعريف المحرقة لأنها تحرض على التمييز والعدوان والعنف».

المفارقة الكبرى بكل هذا الوصف للمحرقة أن كل ما جاء في نص القرار الأممي ينطبق على ما قامت به الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، أي إبادة شعب فلسطين والتنكر لهويته وصلته بترابه الوطني وإبعاده كشعب كامل من مدنه وقراه وترابه التاريخي ومقدساته الإسلامية والمسيحية ومنع الاعتراف بحقوقه كشعب في وطنه التاريخي،

فكل العالم رأى وسجل في تاريخه قيام العصابات الصهيونية بارتكاب «مذابح القتل الجماعي والتجويع والتعذيب» ضد الشعب الفلسطيني وقصفه بالأسلحة المحرمة دوليا منذ أربعينيات القرن الماضي حتى وقتنا هذا ودون توقف، بل إن النكبة التي صنعتها الصهيونية تضمنت كل هذه الأوصاف والجرائم التي استمرت على مدى 73 عاماً، ومع ذلك لم يعترف العالم والأمم المتحدة وجمعيتها العامة بالنكبة ومحاسبة كل من يتجاهل وجودها كحقيقة يومية بصفتها محرقة نفذتها الحركة الصهيونية لإبادة شعب واستيطان وطنه وتغيير هوية هذا الوطن، فلا أحد يشارك الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة ويعترف بها، سوى الدول العربية الشقيقة وعدد من الدول الإسلامية والصديقة، وليس الأمم المتحدة ومنظماتها وجمعيتها العامة، وإذا كانت الجمعية العامة قد اتخذت قرارات بحق العودة للشعب الفلسطيني إلى بيوته وأرضه، فإن التنكر لها وعدم تنفيذها لم تكترث به الأمم المتحدة طوال هذه المدة بل تعمل على إلغاء أهم شاهد حي على هذه النكبة وهو وجود منظمة «أنروا» التابعة للأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الذين زاد عددهم على سبعة ملايين نسمة، أما قرار «المحرقة» فإن إسرائيل والحركة الصهيونية ستفرض بوساطته خطابها ومشاريعها الاستيطانية لتصفية ما بقي من أراضي الفلسطينيين وسوف تشن حرباً مكشوفة على الشعب الفلسطيني باستغلال هذا القرار الذي فرضت في نصه أن «العالم كله مطالب في عصر الإنترنيت ودور وسائل التواصل الاجتماعي واتساع وسائل النشر مجابهة كل من يتنكر للمحرقة أو يزيف صيغتها» وطالب القرار بتوظيف «منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة بمواجهة كل شكل من أشكال معاداة السامية ومن ضمنها نفي المحرقة وضرورة التعاطف مع يهود العالم»،

وبالمقابل أما آن الأوان لأبشع جريمة ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني على يد من يعد نفسه ضحية لجرائم النازية، أن تنال حقها من العدالة في المجتمع الدولي ومنابر الأمم المتحدة التي بدأت الحركة الصهيونية تزيد من هيمنتها عليها فتحول الجلاد الصهيوني إلى ضحية وهو الذي زاد عدد ضحاياه من الفلسطينيين وحدهم على 15 مليوناً قامت قوات الاحتلال بقتل مئات الآلاف منهم منذ 73 عاما وبمحاصرة وتجويع وتعذيب الملايين منهم في قطاع غزة والضفة الغربية وقامت بتهجير قسري بقوة الإرهاب والمذابح لما أصبح عدده سبعة ملايين لاجئ فلسطيني خارج بيوتهم وأراضيهم.

قد لا يكون من المستغرب قريباً أن تطالب الحركة الصهيونية وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الغربية العالمية ودول العالم بمنع الاستشهاد بالنكبة ومحاسبة كل من يستخدم هذه العبارة للدلالة على جرائم الصهيونية، فإسرائيل لا تتردد بالسعي إلى مسح أدمغة العالم كله لحماية جرائمها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن