ثقافة وفن

بسام الملا.. يستحق وداعاً يليق به

| خلدون عليا

رحل بسام الملا.. «الآغا» هو لقبه الدارج في الوسط الفني السوري.. رحل ما يطلق عليه حقيقة لا زيفاً صانع الفرجة… امتلك الرجل خطاً خاصاً به وصنع منه حالة درامية توارثتها أجيال عديدة في الدراما السورية ولا تزال.

دراما «البيئة الشامية»… ذاك النمط الذي أسسه بسام الملا فتحول إلى ماركة مسجلة باسمه، استطاع من خلالها أن ينافس كبرى الدرامات العربية في الحضور ولفت الانتباه فتحولت هذه المادة البسيطة إلى صناعة ثقيلة غزت الشاشات العربية واستطاعت حجز مكانها رغم شدة المنافسة.

نعم صناعة كبيرة لا تقل أهمية عن أي صناعة ثقيلة اليوم، فصناعة الإعلام والفن والسينما هي أثقل صناعة في العالم وهي الأكثر تأثيراً في واقع الأمر.

هكذا تحولت دراما البيئة الشامية «اتفقنا معها أو اختلفنا» إلى وجبة رئيسية على الشاشات ففتحت الباب واسعاً أمام أنماط مختلفة من الدراما السورية للحضور على الشاشات العربية.

هكذا كان « أيام شامية» و«ليالي الصالحية» و«الخوالي» ومن ثم المسلسل الشهير «باب الحارة» بوابات عبور للدراما السورية إلى الفضاء العربي وليبقى بسام الملا هو صانعها جميعاً.. نعم كان صانعاً كبيراً ومؤسساً لنموذج درامي خاص فالرجل لم يكن مجرد عابر في هذه الصنعة بل كان من شيوخ الكار فيها.

لا بل عدا ذلك كان لـ «الآغا» دور فاعل وحقيقي وكبير في شهرته، فممثلو أعماله يدركون ذلك جيداً ويعون أهمية ما أعطاهم إياه بسام الملا، وإذا ما كنا واقعيين ومنصفين فللراحل دور كبير في نهضة الدراما السورية التي ترافقت مع تسويق كبير وانتشار جغرافي وجماهيري واسع حيث كان لأعماله دور مهم فيها وهو ما حصد نتائجه وما زال يحصده العاملون بهذه المهنة الإبداعية بمختلف تخصصاتهم.

ميزة الملا الحقيقية هي البساطة والقرب من الناس والالتصاق بهم، فكان يحول الحكايا والحواتيت الشامية البسيطة إلى فرجة حقيقية يلتصق بها الجمهور ويتلقف أخبارها، تلك ميزة لم يستطع الوصول إليها إلا عدد قليل من صناع الفن.. هي معادلة بمجاهيل كثيرة فك شيفرتها الراحل بسام الملا وحولها إلى معادلة بسيطة من الدرجة الأولى.. نعم لقد حول الملا ببساطته المجهول إلى معلوم والمفقود إلى حقيقة.

لم يكن بسام الملا خريج أكاديميات عالمية في الإخراج بل كان خريج أكاديمية عريقة هي «الحياة» ببساطتها وناسها وحكاياها من دون تنميق.. لذلك صنع حالة جماهيرية قل نظيرها وكان ركناً أساسياً بانتشارها.

لم تكن تجربة أيام شامية مجرد حالة عابرة وإلا لما ألحقها بتجارب أنضج مثل: ليالي الصالحية والخوالي وغيرها… فحول الرجل هذه الدراما إلى صنعة وحرفة تشابه «الدامسكو» أو «الأغباني» بكل جمالها وبساطتها.

هكذا حفر بسام الملا اسمه بأحرف من ضياء في تاريخ الدراما السورية الحافل بالأسماء الكبيرة، أفلا يستحق من صنع مجداً وفتح الباب واسعاً لهذه الصناعة أن يلقى وداعاً يليق باسمه وما قدمه.. فلا شيء أجمل من الوفاء وهو مفتاح الاستمرار.. نعم سيبقى بسام الملا وأعماله في الذاكرة ولكن من أعظم لحظات الخذلان أن نجعل بسام الملا يغادر من دون أن نفيه حقه بوداع لائق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن