قضايا وآراء

حملة تهديد أميركية ضد روسيا زوبعة تغرق في البحر

| تحسين الحلبي

يعد ضابط المخابرات في قوات المارينز الأميركية سابقاً، سكوت ريتر، وهو أيضاً أحد المشاركين في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ومفتش الأمم المتحدة في آذار 2003 بموضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق والذي أعلن عن عدم وجود مثل هذه الأسلحة، يعد من بين أهم الكتّاب السياسيين في موقع «آر– تي» الروسي، وفي تحليل نشره في 22 كانون الثاني الجاري في مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية، افتتح تحليله للوضع المتوتر بين واشنطن وموسكو حول موضوع أوكرانيا بعبارات ذات دلالة مهمة فهو يرى أن «صناديق أدوات عمل الولايات المتحدة فارغة، وموسكو تعرف ذلك، والرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، يعرفان هذه الحقيقة وكذلك وكالة «سي إن إن» الأميركية، والوحيد الذي لا يعرف هذه الحقيقة هو الشعب الأميركي».

وهذا يعني بنظر ريتر أن «الإدارة الأميركية تلجأ إلى المحافظة على الحوار لأنه يولد بشكل ما انطباعاً عن إمكانية حدوث تقدم حتى لو ارتبط ذلك بكسب الوقت من دون نتائج»، وبالمحافظة على المكانة الأميركية.
كما أن إصرار موسكو على الحصول على ضمانات مكتوبة لما تطالب به جعل بلينكن يقدم وعداً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتقديمها له في الأسبوع المقبل، ويستبعد ريتر إمكانية لجوء الولايات المتحدة للخيار العسكري بعد اتهامها لروسيا بنية غزو أوكرانيا، ويكشف علناً أن «صندوق الخيار العسكري الأميركي ضد موسكو فارغ ولن تصمد أي قوات أميركية في أوروبا في مجابهة عسكرية ضد القوات الروسية في هذه الظروف إلا لساعات أو أيام في ميدان الحرب، ويعزو ذلك إلى افتقارها للاستعداد المسبق والمنظم والمنسق بكل متطلباته العسكرية، بينما لا يعمل الوقت الآن لمصلحة تحقيق هذه الاستعدادات العسكرية الأميركية رغم وجود فرقة عسكرية أميركية في ألمانيا وأوروبا، لأنها بعيدة جداً عن الساحة الميدانية المركزية للمجابهة، ويستنتج باختصار «عدم وجود خيار عسكري أميركي متوافر وجو بايدن يدرك هذا الأمر».
وبناء على هذا الافتراض الممكن لم يبق من أدوات أخرى في الصندوق الأميركي سوى استخدام العقوبات الاقتصادية على روسيا، لكن ريتر يرى أن ظروف كورونا ومضاعفاتها الاقتصادية والتجارية السلبية المتفاقمة على الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال قائمة وسوف تحمل العقوبات نفسها مزيداً من المضاعفات على أميركا وأوروبا وبشكل يفوق تأثيرها السلبي على روسيا، كما لا يمكن لواشنطن أن تضمن استمرار هذه العقوبات للمدة التي تريدها، وقد لا ترغب بالمشاركة فيها دول أوروبية لا تستغني عن حاجتها للغاز الروسي، ولا ننسى أن عدداً من العقوبات الاقتصادية اتخذتها واشنطن وعدد من الدول الأوروبية منذ عام 2014 ضد روسيا وما زالت سارية من دون أن تؤثر في الاقتصاد والقدرات الروسية، وقد يدفع الحزب الديمقراطي ثمن فشل العقوبات في انتخابات الكونغرس الجزئية التي تجري هذا العام وربما يفقد الحزب عدداً من مقاعده ثم تنتقل هذه الخسارة إلى انتخابات الرئاسة عام 2024. وفي ظل هذه الاحتمالات وموازين القوى الراهنة بين الجانبين الروسي والأميركي – الأوروبي يبدو أن الزمن يعمل لمصلحة الخطة الروسية وأهدافها المعلنة في منع انتقال أوكرانيا إلى عضوية حلف الأطلسي لأن صناديق أدوات العمل الروسية موجودة بكثرة وعلى أهبة الاستعداد لأي احتمالات عدوانية أميركية، ثم لا بد من الإشارة إلى مسلمة إستراتيجية وهي أن واشنطن لا يمكن أن تجد نفسها قادرة على اللجوء إلى الخيار العسكري ضد روسيا من دون وجود مشاركة فاعلة مباشرة من أوروبا في أي حرب على الساحة الأوروبية- الروسية، وتدل تصريحات كثيرة على أن بعض الدول الأوروبية الكبرى التي تراهن واشنطن على انضمامها إلى حرب كهذه لن تجد مصلحة ملحة وضرورية لها في هذه الظروف للاتفاق مع واشنطن عليها وخاصة لأن واشنطن لم تستطع الاستمرار في شنها ضد أفغانستان فما بالك بحرب ضد روسيا لا ضرورة لها وقابلة لحلول وسط تحقق مصالح موسكو وأوروبا نسبياً وتبقي أوكرانيا على وضعها غير العدواني ضد موسكو، فالجمهور الأوروبي لا يمكنه القبول بشن حرب على دولة كبرى مثل روسيا من أجل موضوع يتعلق بأوكرانيا ويمكن حله أوروبياً بخريطة طريق أوروبية وليس بحرب أميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن