قضايا وآراء

الانفصام السياسي الغربي في مواجهة موسكو

| هديل علي

مراوغة ونفاق و«انفصام سياسي» تعاني الدول الأوروبية بشكل عام من أعراضه عندما يتعلق الأمر بصياغة علاقاتها مع روسيا الاتحادية، فالتصعيد المباشر ضد موسكو غير وارد لدى العديد منها، إلا أن المناورة بين القول والفعل تتصدر المشهد العام.

ومع استمرار التأكيدات القطعية من الجانب الروسي على عدم تهديدها قط لكييف وحصر مناوراتها وتجهيزاتها العسكرية بحماية حدودها وأمن بلادها لكونه شأناً داخلياً، تتعنت أميركا بمحاولاتها لشيطنة الدب الروسي وتصويره كخطر يهدد أمن جيرانه بهدف قض مضجع موسكو وإشغالها عن حجز مكانتها الطبيعية بين أقطاب القوة العالمية.

وبالعودة إلى الانفصام المهيمن على المواقف الدولية كان للرئيس الأميركي جو بايدن نفسه حصة كبرى من ذلك متجاهلاً المفاوضات بين بلاده وموسكو حيث وجه تهديداً لروسيا بفرض عقوبات «غير مسبوقة» في حال شنت هجوماً على كييف، محذراً من كارثة في حال التصعيد ليعود بتصريحاته هذه في المؤتمر الصحفي نفسه إلى أن حدوث «توغل بسيط» قد يستجلب رد فعل ضعيفاً من الولايات المتحدة وحلفائها، وكأنه يبطن رسائل إلى أوكرانيا ومن خلفها أوروبا للتصعيد وإلى موسكو بأن واشنطن لن تتدخل بشكل مباشر.

ألمانيا التي تجيد حمل العصا من الوسط حملت مفاجأة غير سارة لأوكرانيا مع وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك التي كررت أن بلادها لا تنوي تقديم أسلحة فتاكة لكييف لاستخدامها في نزاع «دونباس»، مؤكدة أنه لا يزال يتعين حل هذه المشكلة حصرياً عبر الدبلوماسية ولاسيما في إطار صيغة «النورماندي» التي تشمل إضافة إلى ألمانيا، روسيا وأوكرانيا وفرنسا.

إلى قائمة الخيبات الأوكرانية انضمت بريطانيا التي أعلنت بدء تزويد كييف بالأسلحة الدفاعية من جهة، وأكدت من جهة أخرى عدم تشكيل هذه الأسلحة أي تهديد لروسيا ونفت بشكل كلي إمكانية التدخل المباشر في الأعمال القتالية في الدونباس! سالكة الطريق الأميركي نفسه في التعاطي مع تلك الأزمة.

هذا الفصام السياسي الجلي يضع أوكرانيا من دون أدنى شك وحيدة في مواجهة روسيا التي تمسك عنق القارة العجوز بصمام الغاز وتلوح لأميركا وحلف الناتو بهول عواقب الانزلاق للمواجهة وخاصة أن القيادة العسكرية الروسية تعمل على القيام بخطوات استباقية، فإن استخدم البنتاغون منظومات فرط صوتية ضد موسكو سيجعلها تحلق ببجعتها البيضاء التي توصف بأنها أسرع قاذفة قنابل في العالم، القادرة على حمل 12 صاروخاً برؤوس نووية ومرشحة لحمل صواريخ «خا – 95» فرط الصوتية التي تقوم روسيا بتطويرها، والتي يصعب على الدفاعات الجوية اعتراضها وتصل إلى مدى 3.5 آلاف كم، وتم تصميمها لتكون مهيأة لحمل أسلحة جديدة، وفق ما أعلن عنه وزير الصناعة في روسيا دينيس مانتوروف وكل ذلك إلى جانب منظومة الدفاع المتطورة جداً «إس 500» التي تشكل محطة رعب للناتو بأكمله.

بين تصريحات نارية واجتماعات فاترة من دول الغرب ستقف كييف وحيدة في المواجهة، إن حدثت، لتكون كبش فداء جديداً لأميركا التي تحاول زج كل الوسائل لقلقلة الداخل الروسي وزعزعة استقرار موسكو التي لا تنفك بدورها من استعراض قوتها الهائلة وقدراتها العسكرية لمواجهة أي خطر قد يحدق بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن