قضايا وآراء

«الكلب لا يعض ذيله»

| منذر عيد

ثمة حقائق كثيرة توضحت أكثر فأكثر، بسبب الأحداث الأخيرة في الحسكة وتحديداً في سجن الثانوية الصناعية في «غويران» الخاضع لسيطرة ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، والفوضى الحاصلة نتيجة تعرضه لهجوم ومحاولة تنظيم داعش الإرهابي تهريب مسلحيه السجناء فيه، وثمة الكثير من الأسئلة تشكلت عقب الحدث وردة فعل الاحتلال الأميركي تجاهه.

بداية فإن ما جرى في سجن غويران وإن كان الأكبر، فإنه ليس المرة الأولى الذي يشهد تمرداً من سجناء مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وليست المرة الأولى التي يحاول البعض منهم الهرب، وقد نجح آخرون في ذلك، هذا الواقع يدفع إلى طرح سؤال مشروع، لماذا ترفض ميليشيات «قسد» تسليم أولئك السجناء الإرهابيين إلى الحكومة السورية، لمحاكمتهم، وتأمين عدم هروبهم، إذا ما كانت تلك الميليشيات وسيدها الأميركي يدعون محاربة الإرهاب؟ خاصة وأن الواقع أكد أن «قسد» غير قادرة على المحافظة عليهم وردع إمكانية هروبهم.

الجواب عما سبق يكمن في أن ميليشيات «قسد» وسيدها الأميركي، حريصون كل الحرص على عدم التفريط بورقة الإرهاب، أو التخلي عنها، لطالما استثمروا بها كثيرا، ويتخذونها سبباً لإبقاء المنطقة سواء شرق سورية أو العراق، رهينة فزاعة اسمها إرهاب داعش، بل إن الاحتلال الأميركي حوّل السجون التي تضم إرهابيي داعش في مناطق سيطرة قسد، إلى مستودع ذخيرة بشري، يتم الاعتماد عليه في تحقيق مشروعه الهادف إلى إشاعة الفوضى في سورية والعراق، ودليل ذلك قيام ذاك الاحتلال مرات ومرات بنقل العديد من متزعمي ومسلحي داعش من سجن «غويران» عبر حواماته إلى مناطق مجهولة، الأمر الذي يؤكده كلام النائب عن ائتلاف دولة القانون العراقي، عارف عبد الجليل، بأن ظهور مجاميع ما تسمى بـ«أشباح الصحراء» التي أشرف الاحتلال الأميركي على تدريبها، وهروب سجناء داعش من الحسكة كلها مخططات أميركية لزعزعة أمن المنطقة.

إذاً فإن ميليشيات «قسد» غير صادقة في مزاعمها بأنها تحارب الإرهاب، وتريد التخلص منه، بل هي تستثمر فيه، ولتظهر أمام المجتمع الدولي على أنها جهة فاعلة لها دورها وثقلها في سورية، كما أنها تتخذ مسألة داعش ومحاربة الإرهاب، مصدراً لـ«التسول» حيناً، وباباً للضغط أحياناً أخرى، حيث ادعت أكثر من مرة أن هروب مسلحي التنظيم سوف ينعكس سلباً على المنطقة والإقليم برمته، وبالمقابل ظهر دور الاحتلال الأميركي من خلال ردة فعله تجاه أحداث السجن، فاتخذها ذريعة لتدمير البنى التحتية في المحافظة، واستهدف بشكل وقح وإجرامي المباني التعليمية والخدمية في المنطقة، ومنازل المواطنين المدنيين بحجة ملاحقة فارين من التنظيم، ليتبادر السؤال، أين ما يتم عرضه في أفلام هوليود الأميركية عن شجاعة الجندي الأميركي المزعومة، وحنكته في عمليات الاقتحام والاعتقال، دون أن يتم تدمير حجر واحد؟! أين ذاك الجندي الأميركي «الهوليودي» من سجن غويران؟! حيث يتم الحديث بأنه ما زال يحافظ على كامل أناقته، تاركاً المهمة والخطر لأدواته في ميليشيات «قسد»، أم إن لجنود الاحتلال مهمة أخرى غير معلنة، مفادها الحفاظ على مسلحي داعش أحياء، والاستهداف فقط للحجر من أجل إتاحة الفرصة أمامه للهرب، ولتتأكد مقولة «الكلب لا يعض ذيله»؟!

خمسة أيام ولم تتمكن «قسد» والاحتلال الأميركي من السيطرة على الوضع في السجن، وسط أحاديث عن استحالة ذلك حالياً بسبب الكم الكبير للتحصينات المنشأة داخل السجن، أحاديث تعكس حقيقة الأمر، أم هي توطئة للخضوع لمطلب مسلحي تنظيم داعش الوحيد وهو فتح طريق لهم للخروج من السجن، مقابل الإفراج عن ٥٠ من مسلحي «قسد»، وبذلك تكون قوات الاحتلال الأميركي وصلت إلى مبتغاها بالحديث مجدداً عن فزاعة «داعش» في المنطقة، وضرورة بقائها في المنطقة حتى القضاء على الإرهاب، الذي تعمل على استنساخه وحمايته إلى أجل غير مسمى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن