تنتشر بينَ الحينِ والآخر فيديوهات للاجئين سوريين أو غير سوريين في الدولِ الأوروبية يستنجدون لطلبِ المساعدة بذريعةِ أن سلطات الدول التي لجؤوا إليها قامت باحتجازِ أطفالهم وحرمانهم منهم. هنا تبدأ حملات التعاطف بعباراتٍ من قبيل أين الإنسانية؟ البعض يذهب للطلب من السفارات السورية التدخل ويعتبر الأمر قصوراً في واجبات السلك الدبلوماسي! فهل علينا فعلياً أن نتعاطف؟
بشكلٍ عام فإن الحكم على هذه الحوادث من خلال دموع الأهل هو قصور، ولكي نجيب عن هذا السؤال لابد من توضيح النقاط التالية:
أولاً: هناك من يظن أن قرار سحب الأطفال من آبائهم مبني على شكوى كيدية بسيطة، أو قيام أبٍ بصفعِ ابنه على الملأ مثلاً فيخسر حقه في رعايته، والحقيقة تبدو في مكانٍ آخر تماماً، فالوصول إلى قرارِ سحب الطفل من والديه لا يؤخذ بين ليلةٍ وضحاها، بل هو مبني على قرائن ودلائلَ قطعية ثبُتَ عدم قدرة آبائِهم على القيام بواجباتهم الأُسرية على أكملِ وجه، بما يكفل للطفل تلقي التربية السليمة البعيدة عن كل ما قد يسبب لهُ مستقبلاً عُقَداً أو انحرافات تجعلهُ خطراً على المجتمع والأمثلة كثيرة، قد تبدأ بالممارسة المستمرة للعنف الأبوي، مروراً بالبيئة الاجتماعية غير الصالحة التي تسيء لبراءةِ الطفولة (تحويل المنزل إلى مكان للدعارة مثلاً)، وصولاً إلى تلقيهِ القيم الفكرية غير الصالحة والتي تحض على العنف والكراهية (الفكر المتطرف لأحد الوالدين).
ثانياً: من صفات القانون الشمولية، وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن قوانين حماية الطفل لم تكن وليدة حالة اللجوء أو إنها تستهدف فقط اللاجئين لكونهم لم يندمجوا في المجتمع، هذه القوانين مطبقة على أبناء البلد، بل إن قوانين حماية الطفل التي تكفل رعايته عبر جمعيات متخصصة لا تمنع الآباء من رؤية أبنائهم، هي فقط تمنع عنهم مهمة تربيتهم حماية للطفل أكثر من كونها عِقاباً للأهل.
ثالثاً: وهي نقطة تتعلق بنا نحن كسوريين، فإن هذه القوانين هي جزء من بناء المجتمع السليم، تخيلوا لو أن لدينا قوانين أو جمعيات أكثر فاعلية للتصدي لهذه المشكلات، كم طفلاً كنا سننقذ؟ كم عدد الأطفال الذين قُتلوا أو شوّهوا في سورية من قبلِ ذويهم أو من هم في كنفهم في السنواتِ الأخيرة؟ ربما سيكون الجواب بأننا في وقت الحرب لن نفعل شيئاً لكن ماذا فعلنا وقت السلم؟ ألم يكن التعيين في جمعيات تنظيم الأسرة جزءاً من البطالة المقنعة المبنية على مفهوم «التفييش»؟!
أما من يتحدثون عن مؤامرةٍ تستهدف أبناء المهاجرين لفصلهم عن أوطانهم ودينهم فنقول: حسبنا اللـه ونعم الوكيل.. حتى هذه دخلت في سياق المؤامرة؟! إذاً اطلبوا من «اللوبيات» الدينية الكف عن التدخل بكلِّ شاردة وواردة في أوطانكم واتركوا المجتمع يبني نفسهُ بالطريقة التي نستلهم فيها من الغرب إيجابياتهم، أليست حماية الطفل إيجابية فيما لدينا من يجيز تزويج الأنثى بعدَ عيدِ ميلادها العاشر؟!
في الخلاصة: دائماً ما يكون الصراع بين العقل والعاطفة يصب في مصلحة العاطفة، لكن قرار العقل وإن كانَ الأصعب لكنه الأسلم، أن سحب الطفل من أبويه هو خط الدفاع الأول عن هذا الطفل، على هذا الأساس لستُ متعاطفاً.