ثقافة وفن

النشاط التشكيلي قبل المعرض السنوي .. المتحف الوطني السوري بدأ بإشراف مجمع اللغة العربية وتمويله … عام 1936 افتتحت المرحلة الأولى من بناء ميشيل إيكوشار من المتحف الحالي

| سعد القاسم

علق صديق عزيز على ما جاء في الحلقة الماضية بالقول: «يجب أيضاً ألا ننسى أن هناك نشاطاً فنياً ومعارض منذ العشرينات».. وبطبيعة الحال أنا لا أنكر هذا، وسبق أن تحدثت عنه في غير مناسبة، أما ما ورد في الحلقة الماضية فقد كان يتعلق بالدكتور سليم عادل عبد الحق، بشكل أساسي، ومبادرته عام 1950 بإطلاق أول معرض سنوي دوري لا يزال مستمراً – من دون توقف – حتى اليوم. والتي كانت سبباً رئيسياً في نشوء، واتساع جناح الفن الحديث في المتحف الوطني.

المتحف الوطني وتاريخه

قد يكون مفيداً هنا الحديث قليلاً عن المتحف الوطني في دمشق الذي تعده معظم المصادر أحد أهم وأكبر وأقدم وأشهر المتاحف العربية، وتعود بداياته إلى عام 1919، وقد أقيم بداية في (المدرسة العادلية الكبرى) المتاخمة للمكتبة الظاهرية إلى الشمال الغربي من الجامع الأموي. وكان يشرف عليه- كما المكتبة – المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية حالياً). ويديره وينفق عليه من موازنته. في عام 1928 صدر قرار باستقلال المتحف ومنحه الشخصية الحقوقية.

عام 1932 تم اكتشاف (كنيس دورا أوروبوس) على الفرات شمال مدينة (ماري)، وبعد ذلك بثلاث سنوات اكتشف (مدفن يرحاي) في وادي الموت بتدمر. وقد استوجب هذان الاكتشافان الكبيران إنشاء مبنى جديد للمتحف يستطيع حفظهما، فتم تكليف المهندس الفرنسي (ميشيل ايكوشار) بتصميم المبنى المطلوب في موقعه الحالي، على قطعة من المرج الأخضر تبرعت بها مديرية أوقاف دمشق. وتميز مخطط المبنى الجديد بقابلية التوسع، وافتتح القسم الأول منه عام 1936. بعد أن نقل إليه الكنيس والمدفن قطعة قطعة. وبدأ في العام ذاته مشروع نقل واجهة قصر الحير الغربي الواقع في البادية السورية بالقرب من مدينة السخنة، وتم إنجازه عام 1950 على واجهة جناح جديد يتوسط المتحف. وبعد نحو ثلاثين سنة أصبحت هذه الواجهة مدخل المتحف، بعد أن كان المدخل الأول من الزاوية الشرقية الشمالية المقابلة للتكية السليمانية.

مراحل إنشاء المتحف

اقتصر بناء المتحف في البداية على بهو ورواقين وأربع قاعات، وجناح للمكاتب، وطابق علوي يضم ثلاث قاعات أخرى. وبعد ذلك تتالت عملية بناء أقسام المتحف الأخرى حتى وصل إلى وضعه الحالي. وكما جاء في الحلقة السابقة فقد تأسس عام 1953 فرع الفن الحديث في المتحف الوطني، وأقيم في الطابق الأول من الجناح الشرقي الذي تم الانتهاء من تشييده ذلك العام. في حين خصص الطابق الثاني للمعارض المؤقتة، الأثرية والفنية.

معارض سابقة واهتمام

شهدت المرحلة السابقة لإقامة المعرض السنوي عدة محاولات للانتقال بالفن التشكيلي السوري من حالة النشاط الفردي، إلى حالة الاهتمام الاجتماعي، فالرسمي، ففي هذه المرحلة أقيم أول معرض للفن التشكيلي عام 1926 على مدرج جامعة دمشق، وكانت له لجنة تحكيم وجائزة، وفي عام 1936 أقيم معرض في مبنى وحدائق ثانوية التجهيز الأولى في دمشق (حالياً ثانويتا جودت الهاشمي، وابن خلدون)، بمناسبة الإفراج عن المبعدين السياسيين الوطنيين والسير في طريق الاستقلال، وكان أكبر معرض عرفته المدينة قبل معرضها الدولي. وقد نال ميلاد الشايب الميدالية عما سمي ذلك الوقت بصناعة الرسم اليدوي، لأن المعرض أساساً كان معرضاً صناعياً أُلحقت فيه الفنون. ثم أقامت وزارة المعارف عام 1940 أول معرض رسمي في كلية الحقوق في دمشق (مبنى وزارة السياحة حالياً)، وإليهما أقيمت عدة معارض جماعية منها: معرض معهد الحرية (اللاييك) عام 1944، ومعرض نادي يقظة المرأة الشامية، ومعرض بناية الحقوق عام 1942، ومعرض التجهيز الأولى عام 1945، وكان المعرض الرسمي الثاني لوزارة المعارف، ومعرض (رابطة الفنانين).

في حلب ومعرضها

في عام 1948 أقيم أول معرض للفن التشكيلي في حلب في دار الحمصي بمنطقة العزيزية. وفي تلك المرحلة أيضاً سافر عدد من الفنانين إلى فرنسا وإيطاليا لدراسة الفن كان منهم: توفيق طارق وميشيل كرشة وغالب سالم ووهبي حريري وصلاح الناشف ورشاد قصيباتي، وعند عودتهم ساهموا بتنشيط الحياة التشكيلية في دمشق وحلب، من خلال إقامة المعارض وتدريس الفن في مراسمهم وفي المدارس الحكومية، ومن خلال مشاركتهم في المعارض الجماعية، ومساهمتهم في تأسيس الجمعيات الفنية، ومنها (الجمعية العربية للفنون الجميلة) التي ظهرت عام 1943 وكان من أهم نشاطاتها معرض (اللاييك).

بذور الصالات الخاصة

يمكن اعتبار المكتبة العمومية التي كانت قائمة في الأربعينيات مواجه مقهى الهافانا في دمشق، نواة صالات العرض، فقد كانت تعرض في واجهتها كل أسبوع لوحة لأحد ثلاثة فنانين متنافسين هم: ميشيل كرشة وسعيد تحسين وعبد الوهاب أبو السعود، وكان هواة الفن، ومحبو الفنون الجميلة ينتظرون يوم السبت ليشاهدوا اللوحة الجديدة. مع تأسيس المركز الثقافي العربي في دمشق (أبو رمانة) أواخر الخمسينيات لعبت صالته دوراً أساسياً في التعريف بالفن التشكيلي واستضافة المعارض. وفي وقت لاحق بدأ نشوء صالات العرض، وقد لعبت بدورها دوراً مهماً في الحياة التشكيلية والثقافية السورية، وخاصة صالة (الفن الحديث العالمي) التي تأسست أواخر عام 1960 وأصبحت فيما بعد صالة (أورنينا للفن الحديث) وتبدل مكانها غير مرة. وعلى امتداد الخمسين سنة التالية افتتحت بضع صالات في دمشق كان من أهمها صالة (الصيوان) التي تأسست عام 1962 وكانت تقوم في (شارع الكنيسة) أحد تفريعات شارع الجلاء (أبو رمانة). ومع مطلع السبعينيات افتتحت صالة الشعب في شارع الفردوس لمصلحة نقابة الفنون الجميلة، كأكبر صالات العرض حينذاك (إذا استثنينا صالة المتحف الوطني في دمشق).

تعميم ثقافة التشكيل

شهد مطلع التسعينيات افتتاح عدد كبير من صالات الفن التشكيلي ما وصف يومذاك بـ(فورة الصالات)، وأدى هذا إلى زيادة عدد المعارض بشكل كبير وبالتالي زيادة اهتمام الوسط الإعلامي والثقافي بهذه الظاهرة، غير أن حركة افتتاح الصالات لم تكن دائماً حركة متصاعدة، بل على العكس من ذلك كانت حركة يسودها ارتباك واضح، فكثيرة هي صالات العرض التي افتتحت ثم أغلقت بعد وقت قصير. وأيضاً فإن الدور والأهمية يتباينان بين صالة وأخرى، وهو ما يستلزم حديثاً خاصاً. ومع كل الظروف القاسية فإن أهم وأجمل صالات العرض قد افتتحت خريف عام 2015 في المركز الوطني للفنون البصرية بجامعة دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن