قضايا وآراء

ما بين العمى والرمد

| أحمد ضيف الله

تعمقت الخلافات بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، بشأن مرشح رئاسة جمهورية العراق، ووصلت إلى طريق مسدود.

حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أعلن في بيان له في الـ23 من كانون الثاني 2022 إثر اجتماع مجلس قيادته، أن «الحزب الديمقراطي الكردستاني قام بشكل منفرد وخارج عن إرادة ووحدة الشعب الكردي والقوى السياسية الكردستانية، بخطوات واتفاقات مع الجهات السياسية، وقدم مرشحه إلى منصب رئيس الجمهورية»، وأنه بسبب تقديمه «هوشيار زيباري بعيداً عن مبدأ التوافق، فإن من حق الاتحاد الوطني أيضاً أن يعتبر منصب رئاسة الجمهورية من استحقاق شعب كردستان والاتحاد الوطني الكردستاني»، مقرراً «تقديم الدعم الكامل لمرشح الاتحاد الوطني لمنصب رئيس الجمهورية وهو برهم أحمد صالح».

محمود محمد المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، رد في بيان له في الـ24 من كانون الأول 2022، معتبراً أن منصب رئيس الجمهورية «هو استحقاق للشعب الكردي وليس ملكاً لحزب معين».

رئاسة مجلس النواب، حددت في بيان لها، «يوم الاثنين الموافق 7 شباط موعداً لجلسة مجلس النواب الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية».

وفي ظل غياب مرشح متفق عليه بين الحزبين الكرديين الكبيرين، حيث إن منصب رئيس الجمهورية هو استحقاق للمكون الكردي ضمن الأعراف المتفق عليها طيلة الدورات السابقة، فإن تكرار ما حصل في الدورة النيابية الرابعة عام 2018 هو الأكثر ترجيحاً.

في جلسة المجلس النيابي المنعقدة في الـ2 من تشرين الأول 2018، وبحضور 302 نائب من أصل مجموع 329 نائباً عدد نواب المجلس، ووسط مشادات كلامية حادة بين النواب الأكراد، حصل برهم صالح على 165 صوتاً مقابل 89 صوتاً لفؤاد حسين، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس، بينما تشتتت باقي الأصوات الأخرى بين 5 مرشحين آخرين، وأوراق باطلة وأخرى فارغة، ما دعا المجلس النيابي إلى عقد جولة اقتراع ثانية وفق الدستور لحسم التنافس بين المرشحين، بسبب عدم حصول أي مرشح على أغلبية أصوات ثلثي أعضاء المجلس، وفي جولة الاقتراع الثانية، حصل برهم صالح على 219 صوتاً مقابل 22 لمنافسه فؤاد حسين، إضافة إلى 24 ورقة باطلة، و7 أوراق فارغة، فائزاً بمنصب رئيس الجمهورية.

المجلس النيابي الحالي لن يتمكن من عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون حضور ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، أي نحو 200 نائب من أصل 329 عدد نواب المجلس، وبالضرورة فإن مرشح رئاسة الجمهورية يحتاج للفوز بالمنصب من الجولة الأولى إلى تصويت ثلثي أعضاء المجلس، وفي حال الفشل، يُعدّ فائزاً في الجولة الثانية، أحد المرشحين ممن حصل على أعلى الأصوات في الجولة الأولى، بالأغلبية البسيطة حتى لو كان ذلك بفارق صوت واحد.

مرشح رئاسة الجمهورية هوشيار زيباري، شقيق والدة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني منذ عام 1979، ووزير خارجية العراق الأسبق ما بين 2004-2014 ومن ثم وزيراً لماليته، كان المجلس النيابي قد صوت بسحب الثقة عنه وإقالته في الـ21 من أيلول 2016 خلال جلسة تصويت سرية، بأغلبية 158 صوتاً مقابل 77 صوتاً وامتناع 14 عن التصويت، بقضايا فساد، من أبرزها صرف مليون و800 ألف دولار بطاقات سفر لعناصر حمايته الذين يقيمون في محافظة أربيل، و800 ألف دولار لترميم منزله في المنطقة الخضراء ببغداد، وصرف مبلغ ضخم لتأجير منزل لسكرتيرته الشخصية، فضلاً عن قروض كبيرة خارج السياقات القانونية لعدد من التجار.

الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعد حصوله على الأغلبية في إقليم كردستان، يرى أنه بات قادراً على الهيمنة والتحكم في المشهد بالسياسي بأكمله في الإقليم، وأنه بنيله رئاسة جمهورية العراق يمكن أن يتحكم بالمشهد السياسي في عموم العراق، متجاوزاً اتفاقات الشراكة مع الاتحاد الوطني الكردستاني في تقاسم الوزارات والمناصب الحكومية في الإقليم، والعرف الذي ساد طويلاً، بأن تكون رئاسة الإقليم ورئاسة الوزراء فيه للحزب الديمقراطي الكردستاني، مقابل حصول الاتحاد الوطني الكردستاني على منصب رئاسة جمهورية العراق.

إن الشرخ والانقسام وتبادل الاتهامات بشأن تحمل المسؤولية عما وصل إليه الحال في الإقليم والعلاقة بالمركز داخل البيت الكردي، سيؤثر من دون شك في الواقع السياسي الحالي في إقليم كردستان، وربما يؤدي هذا إلى انسحاب الاتحاد الوطني الكردستاني من حكومة الإقليم، وقد يدفع باتجاه تحوّل إقليم كردستان إلى إقليمين.

وما بين دعوات «الإصلاح ومحاربة الفساد» والتصدي لقوى الاحتلال الأميركي في العراق، وما يشترطه الدستور العراقي، بأن يكون مرشح رئاسة الجمهورية «من المشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن»، سيكون على النواب العرب الاختيار ما بين العمى والرمد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن