في 27 كانون الثاني الجاري، عرضت قناة «كان» الإسرائيلية تسجيلاً صوتياً لأحد أقدم ضباط جهاز الموساد الإسرائيلي للتجسس والمهام الخاصة وهو رافي إيتان حين كان رئيساً لمحطة الموساد في واشنطن في الثمانينيات ولم يعد على قيد الحياة الآن، تحدث فيه عن الجاسوس اليهودي الأميركي جوناثان بولارد ضابط المخابرات في سلاح البحرية الأميركي الذي جنده في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس عام 1984 واعتقلته المخابرات الأميركية متلبساً عام 1985، وقال إيتان في الشريط المسجل: «إنني بموجب مسؤوليتي عن تجنيد بولارد وبعد أن أحضر معلومات مهمة عن الدول العربية في ذلك الوقت تشاورت مع رئيس المخابرات العسكرية إيهود باراك حول مهمة بولارد وقررنا الاستمرار بمهمته لمدة لا تقل عن ستة أشهر أخرى رغم وجود دلائل (شبهات أميركية) عملية تدعو إلى تجميد مهمته فوراً، وكان هذا هو رأيي كمسؤول عنه، لكن باراك رغب في استمراره لأنه أحضر معلومات مهمة».
ومع ذلك عرضت القناة «كان» مقابلة مع باراك «ينفي فيها أن يكون الاثنان ناقشا موضوع بولارد في ذلك الوقت باستثناء موضوع أنه يحضر معلومات مهمة»، ويذكر أن بولارد اعترف بتجسسه وفرضت السلطات الأميركية حظراً على دخول إيتان إليها بعد أن فر عائداً إلى تل أبيب عام 1985 عند اعتقال بولارد.
ويكشف هذا الشريط أن الموساد الذي يتولى المسؤولية المباشرة عليه رئيس الحكومة، لا يقوم فقط بالتجسس وجمع المعلومات من دول معادية لإسرائيل بل من دولة كبرى تعد أهم حليف يضمن وجودها وهي الولايات المتحدة رغم وجود تنسيق استخباراتي رفيع المستوى بين الجانب الأميركي والإسرائيلي والحرص الأميركي الشديد لحماية إسرائيل وكل سياساتها في المنطقة.
بعد التجربة الفاشلة مع بولارد لم تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن توجيه الموساد لتجنيد مسؤولين عسكريين أميركيين من غير اليهود، وهذه المرة كان العقيد الأميركي لورانس فرانكلين، وقد جرى تجنيده منذ عام 2003 وربطه باثنين من قادة منظمة «إيباك» اليهودية الأميركية المختصة بممارسة الضغط في الساحة السياسية الأميركية لمصلحة إسرائيل، هما ستيف روزين المدير السياسي لـ«إيباك» وكيت فايتسمان مسؤول ملف إيران في «إيباك» بموجب ما نشرته مجلة «نيوز ويك» الأميركية في 27-11-2021، وقد اختير فرانكلين بدقة لأنه أصبح عام 2003 مسؤول التحليل للمعلومات الاستخباراتية في وزارة الدفاع عن إيران، وفي 27 نيسان 2004 كشفت قناة «بي سي بي» الأميركية عن استجواب يتولاه ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» مع فرانكلين وتسريبه لمعلومات عن إيران لجهات أجنبية وفي ذلك الوقت أعدت المخابرات الأميركية تسجيلات لاتصالات فرانكلين وتوصلت منها إلى تقديمه معلومات عن إيران لاثنين من مسؤولي «إيباك» وقامت بمصادرة أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهما من داخل مقر «إيباك» واعترف فرانكلين بالتهم وتوصل مع المخابرات في المحكمة إلى تخفيض مدة الحكم عليه مقابل هذا الاعتراف.
وإذا كان بولارد وفرانكلين قد جرى الكشف عنهما فإن هذا لا يعني أن الحكومة والموساد الإسرائيلي لن يستمرا بالقيام بكل أشكال التجسس على الدول الصديقة والحليفة وعلى الدول المعادية بالطبع، وكلما بدا لإسرائيل بوضوح أن المجابهة مع الشعب الفلسطيني وقوى محور المقاومة في داخل فلسطين ومن حولها ستستمر وتتصاعد، زادت من استخدام الموساد حتى داخل الدول الصديقة أو الحليفة وهذا ما يثبته سجلها في هذه المنطقة بعد اتفاقات أوسلو عام 1993، لكن كل خطط الاختراق الاستخباراتي التي تضعها إسرائيل لم تستطع تحقيق أهدافها وهذا ما يثبته الوضع المتأزم الإسرائيلي في المنطقة واستمرار مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وحلفائه.
فقد وضعت قيادة الجيش الإسرائيلي في أولوية مهامها العمل على إضعاف قوى المقاومة ومنعها من زيادة قدراتها القتالية والتكنولوجيا خلال العقدين الماضيين ولم يتحقق لها هذا الهدف وأصبح أطراف ودول كثيرة في المنطقة يدركون أساليب عمل هذه الاستخبارات ويضعون وسائل الحصانة والمنعة في مجابهتها.