في شهر كانون الثاني 2021 دخل الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض ومع نهاية السنة الأولى من ولايته، يُظهر حساب الأرباح والخسائر حصاداً قليلاً وخيبات وتركة ثقيلة.
على الصعيد الداخلي يعاني الحزب الديمقراطي من الإرباك مع تنامي دور نشطاء اليسار الأميركي الشعبويين، واعتمادهم سياسة الهوية العنصرية، يضاف إلى ذلك تداعيات جائحة «كورونا» على البشر والاقتصاد الأميركي.
تراجعت شعبية بايدن، ليصبح من أقل الرؤساء شعبية في التاريخ الأميركي، وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة «كوينيبياك» لقياس الرأي، أن نسبة الدعم لبايدن تراجعت إلى 33 في المئة فقط، وهي نسبة متدنية جداً لرئيس في عامه الأول.
وكشف استطلاع أجرته «مؤسسة غالوب»، في الربع الأخير من عام 2021، أن 42 في المئة ممن تم استطلاع رأيهم، قالوا إنهم ذوو ميول ديمقراطية، بانخفاض 7 في المئة عن مطلع 2021،
وتشير هذه النتائج إلى انقلاب دراماتيكي لمصلحة الحزب الجمهوري مع توقعات مبكرة بأن للجمهوريين حظاً لاستعادة السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، وهو أمر إذا حدث فسيترك بايدن ضعيفاً و«بطة عرجاء» خلال العامين المتبقيين له وسيعمل الجمهوريون على إثارة المتاعب للرئيس، بمحاولات عزله على خلفية الانسحاب الفوضوي من أفغانستان والهدر المالي.
مع التراجع الحاد في شعبيته، بدأت تقارير الإعلام تتحدث عن أن بعض الديمقراطيين بدؤوا يفكرون في الخليفة المحتمل لبايدن، لتمثيل الحزب في انتخابات الرئاسة عام 2024 وفي هذا الواقع، قد يميل الحزب الديمقراطي إلى اختيار مرشح معروف وله قاعدة شعبية.
ومن عوامل تراجع شعبية بايدن:
القيود المفروضة بسبب فيروس «كورونا»، حيث لم يتم تخفيفها إلا ببطء شديد، وبايدن نجح في السيطرة على انتشار كوفيد-19 لغاية شهور الصيف، ثم جاء وصول متحور دلتا، وتلاه أوميكرون القابل للانتشار بسرعة غير عادية، واندفع بايدن لتقييد السفر، لكنه لم يفعل الكثير لإبطاء انتشاره.
في الأسابيع الأخيرة، وصلت الحالات إلى مستويات قياسية، وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن إجمالي عدد المصابين من مرضى كورونا، بلغ الأسبوع الماضي 141385، ونشرت صحيفة «الفاينانشال تايمز» يوم 28 كانون الثاني 2022 مقالاً للباحث الأميركي كيران ستيسيمن يعرض فيه كيف أخفقت إدارة بايدن في اجتياز اختبار «أوميكرون»
يواجه الاقتصاد الأميركي تحديات كبيرة رافقها تلاشى تأثير خطة الإنقاذ الاقتصادي لبايدن، لمساعدة الأميركيين على مواجهة تداعيات كورونا ومشكلات سلاسل الإمدادات عطلت النمو الصناعي، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، أصبح مصدر قلق كبيراً للأميركي، ووصلت نسبة التضخم في شهر أيلول 2021 إلى 7 بالمئة وهي أعلى نسبة منذ 40 سنة.
لا تزال إدارة جو بايدن تتخبّط في التعامل مع الملفّات الموضوعة على أجندتها الداخلية، والتي فشلت إلى الآن في إحراز تقدّم في أغلبها فوعوده بإعادة الوحدة لبلد يكاد ينشطر نصفين، لم تتحقق، وحركة «حياة السود مهمة» ما زالت تجد يومياً ما يغذيها، أضف إلى ذلك الحركة اليمينية المتطرفة، التي تعتبر دونالد ترامب رمزاً لها، ما زالت تكسب تأييداً واسعاً.
دخل الرئيس بايدن المكتب البيضاوي وهو يحمل تركة صعبة ومعقدة، من إدارات متتالية غيرت كل منها بعض المبادئ التقليدية التي قامت عليها تاريخياً السياسات الخارجية الأميركية.
بايدن أجج الصراع مع الصين واعتبر «مبادرة الحزام والطريق»، وسيلة للهيمنة على الدول من خلال الإقراض.
العلاقات مع أوروبا تنقصها الثقة بعد الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان، حيث حمل أغلبية الشعب الأميركي بايدن مسؤولية الانسحاب الفضيحة من مطار كابل ومقتل 13 أميركياً، في اللحظات الأخيرة.
واعتبر الكاتب براهما شيلاني، الخبير في الشؤون الآسيوية، أن فضيحة الانسحاب الأميركي من أفغانستان «أكبر إخفاق في السياسة الأميركية الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية».
بالنسبة لأوكرانيا وكازاخستان، أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة قوية لبايدن في حسم الاضطرابات في كازاخستان عبر إرسال قوة عسكرية لاحتواء المواجهات مع المتظاهرين، لكون كازاخستان «مستهدفة من الإرهاب»، أما بالنسبة لأوكرانيا التي تحاول أن تدخل حلف الناتو، ما يعتبر خطاً أحمر لروسيا، فقد قام الرئيس بوتين بنشر قوة عسكرية كبيرة، مع استمرار تأجيج الأزمة من بايدن وباتت هناك تداعيات وتهديدات متبادلة.
إيران أحسنت اللعب بالأوراق التي تملكها، وهي تعرف أن الولايات المتحدة تريد أن تعود لاتفاقية 2015 كي تتفرغ للصين وروسيا، لذلك عززت علاقتها مع هاتين الدولتين، وتمسكت في مطالبها الرئيسية، وخاصة رفع العقوبات أولاً، وما يتعلق بتجارة النفط، ورغم بعض الإشارات الإيجابية لم تصل المفاوضات لنتائج بعد.
ضحَّى بايدن بالصداقات التقليدية مع حليف قديم كفرنسا، وتعرضت العلاقات لنكسة كبيرة في أعقاب صفقة الغواصات الأميركية المسيَّرة بالطاقة النووية لأستراليا.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، لم تف إدارة بايدن بوعودها في فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ولا فتح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
استمر بايدن باحتلال الأراضي السورية وسرقة ثرواتها.
أخيراً نشير إلى عجز الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، عن إعطاء إجابة للصحفيين عن سؤال: ما الإنجاز الأكبر الذي حققه الرئيس بايدن في مجال السياسة الخارجية في سنته الأولى.
هذا يؤكد أن بايدن رئيس محاصر يتسرب منه الوقت ويواجه صعوبات وتحديات داخلية وخارجية، ومجرد الحديث عن المرشحين المحتملين لخلافته، في الذكرى الأولى لولايته يؤيد ذلك.
السنة الأولى في إدارة أي رئيس أميركي تسمى «شهر عسل» أو سنة اختبار ويكون الحكم على أدائه في الانتخابات النصفية.
ويشير حساب الأرباح والخسائر إلى أن ليس لدى بايدن أسباب للاحتفال بالذكرى الأولى لدخوله البيت الأبيض كرئيس لأميركا.