ثقافة وفن

ميرفت أمين أعجبت بي وكانت تود أن تحمل مني … موفق بهجت لـ«الوطن»: دمشق علّمت العرب معنى الشرف والكرامة والمقاومة وعلمتني أن أكون رجلاً يعرف قيم الحياة … كان الإعلامي الراحل نذير عقيل مدير أعمالي وهو الذي أخذني إلى إذاعة «صوت العرب» وقدمني إلى مديرها

| وائل العدس

صوت فيه غرابة متفائلة وجرأة ذكية مستمدة من إحساسه الناضج بالرتم الداخلي «السريع» لإنسان هذا العصر، هذه الكلمات كتبها الفنان التشكيلي والشاعر المصري الكبير مجدي نجيب في كتابة «أهل المغنى» عن المطرب موفق بهجت الذي كان ظهوره بطلته المبهجة بمثابة «خضة» احتاجها الغناء العربي، خاصة عندما نزل إلى مصر بداية السبعينيات وأحدث دوياً هائلاً بلونه الغنائي الجديد على الأذن المصرية معتمداً على قوة صوته وعذوبته في آن معاً، ومستخدماً مفردات جديدة في كلمات أغنياته.

الشاب السوري الوسيم وصل إلى القاهرة وقدّم فيها حفلات صاخبة حققت له وجوداً قوياً على الساحة الفنية المصرية.

المحطة الأبرز كانت بزواجه من الممثلة المصرية ميرفت أمين أواخر عام 1970 حينما كانت فنانة صاعدة لم تحقق بعد سجلاً فنياً حافلاً، إلا أن تجربة الزواج بالحسناء المصرية لم تدم طويلاً، فطلقها عام 1972.

برز في الأردن وتزعم في الجزائر وفشل في الدراسة وحقق هدفه في الفن، رحلته الفنية هي محطات قد لا يستطيع الفكر أو الخيال أن يحتوي كل ما فيها، لكن لا بد من الوقوف على بعضها، وإلى التفاصيل:

• قدمتَ في الأردن أغانٍ استعراضية تقدم للمرة الأولى في الوطن العربي، كيف نجحت في فرض هذا النوع من الأغاني؟

في الأردن، كان المخرج حسيب يوسف «أبو المنوعات» في الوطن العربي لما يمتلكه من عين ساحرة في الإخراج، وعندما سافرتُ إلى الأردن لتسجيل أغنية واحدة فقط، سجلتُ أربع أغنيات دفعة واحدة بسبب محبة الفريق الفني لي، ومن وقتها أصبحت النجم الأول في الاستعراض مع حسيب يوسف، وهذه المرة جاءت بعد نجوميتي في لبنان.

• دخولك إلى مصر اعتبره البعض إعجازاً وسط حضور قوي لعمالقة الغناء، فكيف نجحت بفرض اسمك بين كبار المطربين هناك؟

إرادة اللـه والاتكال عليه ثم الاتكال على النفس بما تمتلك.

عندما سافرتُ إلى مصر بدعوة أحد المنتجين إلى كبرى المسارح في عيدي الميلاد ورأس السنة كان من بين الحاضرين سعاد حسني وعبد الحليم حافظ ونجلاء فتحي وغيرهم الكثير.

غنيت الفلكور السوري بطريقتي لثلاثة أرباع الساعة والجميع واقفون، إذ لم يسبق أن أتاهم مطرب مثلي يتحرك بين الطاولات، فهنأني الجميع لنجاحي الذي لم يحققه أحد غيري هناك.

كنتُ ظاهرة جديدة في مصر، وكان اسمي «صانع البهجة» وبقيت هناك أربعة أعوام، وتزوجت بعد 15 يوماً.

كان مدير أعمالي الإعلامي السوري نذير عقيل، فأخذني إلى إذاعة «صوت العرب» وقدّمني إلى مديرها الذي رحب بي أشد ترحيب وأمر مساعده بإعطائي أغنيتين أو ثلاث، فقلت له «آسف سيدي، لم آت لأحصل على أغنية، بل لأنني أحمل معي مشروعاً مدته نصف ساعة يحكي عن المقاومة»، فطلب مني أن أغنيها، فأعجب به وتم تنفيذه.

هذا الأوبريت الغنائي كان تقديم محمود ياسين وألحان حلمي بكر وإخراج نذير عقيل وأدى البطولة معي سميحة أيوب وسناء جميل وصلاح ذو الفقار وصلاح قابيل، فحقق هذا المشروع نجاحاً كبيراً.

وبكل الأحوال لم أكن منافساً لعبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش لأنني كنتُ صاحب لون مختلف، أختار الكلمات اللطيفة التي يحبها كل الجمهور العربي.

• ما قصة زواجك من الفنانة ميرفت أمين؟

التقيت بها ليلة وصولي إلى القاهرة في حفل ضخم ضم الكثير من المنتجين وفناني الصف الأول وكانت هي ضمن الحضور ولم أعرفها، وبعد الحفل فوجئت بدخولها إلى غرفة استراحتي وطلبت رقم هاتفي، فأعجبت بي ونشأت علاقة ود وبوادر حب، كنت أنا نجماً معروفاً وهي لم تكن معروفة أبداً، ولم يكن في بالي الزواج منها أبداً لأنني متزوج وعندي طفل في دمشق، لكن الإعلامي نذير عقيل أقنعني بالزواج بطلب منها، ولم نوفق في زواجنا لأنها كانت غيورة كثيراً، إضافة إلى أنني اشترطت عليها أن يكون الزواج سرياً لكنها سارعت بعد يومين إلى التصريح بزواجنا.

كما أنها كانت تود أن تحمل مني لإنجاب طفل، لكنني أقنعتها بأن تقلع عن الفكرة باعتبارها مازالت في بداية مشوارها الفني، لكنني طلقتها لاحقاً بعدما اختلقت كذبة بأني لا أصلح أن أكون زوجاً، وهنا أتساءل: «هل الرجال التسعة الذين تزوجتهم وانفصلوا عنها كانوا جميعاً لا يصلحون أن يكونوا أزواجاً؟، بالنهاية الزواج قسمة ونصيب.

وللدقة تعرفت عليها خلال حفل رأس السنة بنهاية عام 1969 وبداية إطلالة عام 1970، وبعد ثلاثة أشهر تزوجنا، أي أن الزواج دام من 1970 إلى أن تم الطلاق مطلع 1972.

• تعتبر نفسك أحد جنود الغناء في حرب تشرين التحريرية، حدثنا عن ذلك؟

كنتُ أحد العاملين المخلصين كسوري مشارك في الحرب التحريرية وكأحد نجوم الحرب غنائياً، بعدما شعرت أن عليّ واجباً وطنياً، لكنهم أبعدوا عني الأغنية التي كنت سأعتز بها لو أني غنيتها وهي «سورية داري مصر داري والمعارك وحدتنا»، حيث تقدمت بكلماتها التي كتبها محسن الخياط ولحنها حلمي بكير، لكن رئيس الإذاعة المصرية محمود شعبان قال لي: «سنأخذ هذا الكلام لتغنيه المجموعة، فهذا أقوى وأحلى»، فتنازلتُ بكل حب وسعة صدر.

وفي اليوم التالي قدّمت أغنية جديدة تقول: «آخر بيان يا ولاد بلدنا اسمعوا، آخر بيان يا ولاد بلدنا اتجمعوا، آخر بيان كل واحد فينا جندي في موقعه، آخر بيان كل واحد يحضن سلاحه في موقفه في الميدان».

ولم أكتف بذلك، بل قدّمتُ أغنية وطنية ثانية كلمات عبد الرحيم منصور وألحان بليغ حمدي بعنوان «يا جندي بلادي يا بطل».

وقدّمت أيضاً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية أكثر من أغنية بمناسبة الانتصار منها «حرة يا بلادي»، وأيضاً «يا بلادنا فيكي ربينا» و«عزي وبلادي وسورية» و«رعاك الله».

مازلتُ ابن المدرسة القومية، وغنيت لأكثر من بلد، وأعتبر نفسي من قلب العروبة النابض بل أنا من قلب الوطن العربي وابن سورية العظيمة، ولا أحد يستطيع أن يلغي تلك الفكرة.

• لم تحقق الشهرة في التمثيل مثلما حققتها في الغناء، فما السبب؟

لم تتح لي فرص مناسبة، ولم تقدّم لي الأعمال المهمة، علماً أنه طلب مني أن أروي حكاية كاذبة في فيلم كبير في عهد السادات فرفضت.

وأعترف أن كل ما قدمته في السينما كان فاشلاً لأن أي من المخرجين لم ينجح بتقديمي درامياً بالشكل الصحيح.

أما الإنتاج في سورية فلم يكن يستوعب الفن الاستعراضي مع غياب الاهتمام بالدراما والسينما، بعكس الوقت الحالي الذي فيه دعم لا محدود لهذا المجال من جانب الدولة حتى وصل إلى أوجه.

وبكل الأحوال لم يكن في بالي ولا بقلبي أن أكون ممثلاً.

• لتخبرنا عن حياتك ومشوارك الفني في الجزائر.

الجزائر دعمتني بقوة، وكنت مسؤول المهرجانات فيها أيام الرئيس الشاذلي بن جديد، وقد أولوني الثقة لأكون المتصرف الأوحد بالحفلات والمهرجانات على امتداد الولايات الجزائرية كافة، فكنتُ أصطحب الفرق من سورية وأوزعها، ولم يبق فنان سوري لم آخذه إلى الجزائر، وحتى المنشدون كان يصدح صوتهم في رمضان عند الأذان فتشعر وكأنك في قلب دمشق.

أحذت معي ميادة الحناوي عام 1981 وحينها لم تكن معروفة في الجزائر، وأيضاً أخذت صباح فخري وفهد بلان وغيرهم الكثير.

وللحقيقة، كان للفنانة مها الجابري الأثر الكبير في الجزائر صوتاً وعزفاً، ولها فضل بأن تعلمت الجزائريات العزف على العود.

الجزائريون أوصوني ببلدهم فأوليت اهتمامي واحترامي وعطائي كسوري للجزائر الحبيبة، ولم يعط بلدٌ في العالم للفنان السوري حقوقه كما أعطت الجزائر.

• هل ذلك يعني أنك سبب في شهرة ميادة الحناوي؟

بدايةً، ميادة صوت ليس له مثيل في تاريخ الغناء العربي، وشكّلت ظاهرة في بعض أغانيها.

مرة كنتُ أقيم في لندن مع بليغ حمدي، وجاءني يوماً وهو متعب بعدما انفصل عن وردة الجزائرية، وعلى طاولته ورقة مكتوب عليها «كان يا ما كان الحب مالي بيتنا ومدفينا الحنان»، وكان يقصد وردة التي تزوجت أعز أصدقائه، وكان يشعر بالقهر، وسألني أن كنتُ أعرف فنانة من سورية تغني هذه الأغنية، فأشرت إلى ميادة على الفور، وبالفعل غنتها وحققت نجاحاً وشهرة كبيرتين.

• وماذا عن مشكلتك مع عفاف راضي؟

قدمت أغنية «يمكن على بالو حبيبي» كمشروع خاص بي لينجزها لي بليغ حمدي بعدما كتبتها ولحنت الجزء الأكبر منها، وكنا حينها في منزل وردة الجزائرية، لكن في غيابي فوجئت بأنه أعطاها لعفاف راضي عندما اضطر لتقديمها في فيلم «مولد يا دنيا»، وبليغ كان يمون طبعاً، واعتذر وقبلت اعتذاره لأنه أستاذ وحبيبي وأخي.

ونظراً للصداقة التي كانت تجمعني بالاثنين، لم أحب الدخول في نزاعات قضائية، وقمتُ بعد ذلك بتسجيلها كما تصورتها وحققت نجاحاً كبيراً.

• تنتمي لعائلة دمشقية عريقة، فما كان موقف عائلتك من دخول الفن، خاصة في زمن لم يكن الفن مقبولاً كثيراً في المجتمع؟

كانت عائلتي تحبني وتتباهى بي، لكن والدي أراد لي أن أكون مهندساً وليس مطرباً، وبالفعل أرسل بي إلى ألمانيا عام 1960 للدراسة لكنني فشلت ولم أكن أهلاً للهندسة فعدت واحترفت الغناء، وهناك في ألمانيا تزوجت فتاة ألمانية وافتتحنا مركزاً للتجميل لكننا فشلنا أيضاً، وكأن القدر كان يأخذني إلى الغناء ويبعدني عن أي شيء آخر.

والدي لم يكن ضدي بل كان متفهماً بأن الفن ليس عيباً، خصوصاً بأنني لم أكن فنان ملاهٍ، بل نجماً تلفزيوناً، لكنه تمنى أن أكون مهندساً لكنني لم أنجح إلا بالفن.

كنت صديقاً للكبار وألتقي بهم في الاستديو لأنني لم أكن أخاف ولأنني فارس في الغناء، أعي جيداً ما أقدّم، ولي محبتي في قلوب الناس بسبب ثقافتي وحضوري وإجادتي لثلاث لغات.

أما والدتي وهي قروية من القلمون، فأنا معجب بها، فكانت تمتلك الحكمة والكرم بالمشاعر والعطاء، وكانت راضية عني والحمد لله.

• أغلب المبدعين يعيشون طفولة معذبة، فكيف تصف طفولتك؟

ولدتُ ابن مليونير في سنين عجاف، ووقتها كان الأثرياء قليلون، لكن الضغط كان كبيراً أيام الحرب العالمية الثانية، وكان الفقير كالغني لا فرق بينهما.

كنت غنياً بأمي وأبي، وغنياً بمحيطي الذي يحبني، وترعرعت في ساحة عرنوس التي كانت جزءاً كبيراً منها ملكاً لجدي، والله أعطاني ومنحني حياة كريمة منذ ولادتي وحتى يومنا هذا.

• كم تعتز بدمشقيتك وماذا تعني لك الشام؟

دمشق هي أعرق العواصم، وعلمت العرب معنى الشرف والكرامة والمقاومة، وقد بنت عائلتي فيها مسجداً ليكون شاهداً على مولدي.

دمشق التي ترعرعت فيها علمتني أن أكون مثقفاً ورجلاً يعرف قيم الحياة، دمشق العراقة والأصالة ستبقى رغم كل الظروف لأنها الأكبر.

• كانت دمشق وفية للعرب فهل كانوا أوفياء لها؟

بعض العرب خونة، وإلا فما الذي يعنيه أن تقام على سورية حرب كونية قتلت الشعب ودمرت البلد في وقت كان العرب يكتفون بالمشاهدة، بل يشارك بعضهم في الحرب الظالمة عليها، لكن سورية باقية لأن اللـه حاميها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن