ثقافة وفن

الضبط اللغوي.. تاريخه وأصوله … التشكيل هو علامات وحركات لضبط الأحرف حتى تُنطق بشكل صحيح

| سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة_الهيئة السورية للكتاب كتيب بعنوان «الضبط اللغوي.. تاريخه وأصوله»، للدكتور محمود الحسن يعالج من خلاله الضبط اللغوي بضربيه الصرفي والإعرابي، ويلم بطرف من تاريخه وآراء العلماء، وينتهي فيه إلى أصل صحيح.. إنما يشكل ما يشكل.

حيث تتميز اللغة العربية عن باقي اللغات الأخرى بالتشكيل الذي يُرسم على حروفها، والتشكيل هو علامات وحركات لضبط الأحرف حتى تُنطق بشكل صحيح، وظهر تاريخ التشكيل في العصر الأموي مع اتساع الفتوحات الإسلامية، ودخول العجم في الإسلام، ما أدى إلى كثرة اللحن بين العامة، وحدوث الأخطاء عند تلاوة القرآن الكريم، وكان أول من وضع الحركات على الحروف هو أبو الأسود الدؤلي بناءً على طلب والي البصرة زياد بن أبيه عند وقوع ابنه عبيد اللـه في اللحن عند الكلام.

الشكل والموضع

وبالرغم من نقط الإعراب التي وضعها أبو الأسود الدؤولي، إلا أنه في العهد العباسي اختلط على الناس التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام، حيث يبين الدكتور الحسن: «تتألف الألفاظ، داخل التراكيب وخارجها، من حروف الهجاء المعروفة، موصولة بحركات، وهذه الحركات تشبه كل منها في النطق أحد أحرف المد الثلاثة «الواو والألف والياء، فالضمة تشبه الواو، والفتحة تشبه الألف، والكسرة تشبه الياء، والشبه إنما هو في الصورة المنطوقة، أما التمثيل الكتابي ففيه اختلاف من حيث الشكل والموضع.

والحركات الثلاث تسمى في علم اللغة الحديث بالصوائت القصيرة، تمييزاً لها من الصوائت الطويلة، التي هي أحرف المدّ نفسها، أما باقي الحروف فتسمى الصوامت، وهذا التمييز معروف عند علماء اللغة القدامى، قال ابن جني: «اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين، وهي الألف والياء والواو، فكما أن هذه الحروف ثلاثة، فكذلك الحركات ثلاث، وهي الفتحة والكسرة والضمة، فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمة بعض الواو، وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والضمة الواو الصغيرة، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة».

ومسألة تقسيم الحروف إلى صوامت وصوائت معروفة في كل لغات العالم، لكن تمثيل الصوائت بحركات، توضع فوق الحرف أو تحته، تكاد تتفرد بها اللغة العربية من دون سائر لغات العالم».

تاريخ الضبط وأشكاله

وتشابه الحركات التي وضعت قديماً مع الحركات التي تُستخدم حالياً، ولكن مع إضافة الضوابط حيث يوضح الحسن أن: «الضبط اللغوي يقسم إلى قسمين أحدهما الضبط الإعرابي، والآخر هو الضبط الصرفي، أما الضبط الإعرابي فيختص بوضع الحركات على أواخر الكلمات، المستعملة في التراكيب، وتحدد حركات الإعراب اعتماداً على المعنى المراد، وما يقرره علم الإعراب.

وأما الضبط الصرفي بوضع الحركات على الأحرف، التي تتألف منها بنية الكلمة، وتعرف تلك الحركات اعتماداً على ما سمع عن العرب، وما تقرره معاجم اللغة، وعلم الصرف.

ومن أمثلة الضبط الإعرابي والصرفي قول الزمخشري في أساس البلاغة «فلان يفيد الغرائب ويفيء الرغائب»، أي تجد عنده الأشياء النادرة، ويسوق إليك الأشياء المرغوب فيها فالحركات التي على أواخر الكلمات هي للضبط الإعرابي، وباقي الحركات للضبط الصرفي.

أهمية الضبط

وترجع الأهمية إلى أن التشكيل اللغوي محدد قوي وأساسي بجميع معاني الكلمات وطريقة إعرابها بشكل دائم. فالذي يحدد الطريقة الخاصة بنطق كلمات اللغة العربية ولفظها بشكل سليم، هو التشكيل اللغوي والذي قد يفرق بشكل كبير بين معنى الكلمة نفسها، إذا حدث اختلاف في توزيع التشكيل اللغوي، ويقول الدكتور الحسن في معرض حديثه: «روى الداني عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال: «الشكل سمة للكتاب، كما أن الإعراب سمة لكلام اللسان، ولولا الشكل لم تعرف معاني الكتاب، كما لولا الإعراب لم تعرف معاني الكلام.

من هذا النص تتضح أهمية الضبط اللغوي، بتقسيمه الصرفي والإعرابي، حيث يعرف بالضبط الصرفي اللفظ الصحيح للكلمة، كما يعرف بالضبط الإعرابي المعنى الدقيق للتركيب»، ولبيان أهمية الضبط الصرفي أولاً أسوق الأمثلة التالية:

قال اللـه تعالى «إن اللـه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة»، الجنة دار الخلود والنعيم في الآخرة، وقال تعالى «اتخذوا إيمانهم جنة» الجنة ما يستتر به من ترس وغيره وقال تعالى «افترى على اللـه كذبا أم به جنة»؟، الجنة: الجنون».

طريقة الضبط

يلاحظ لدى استعراض الكتب أن الكاتب، في أغلب الأحيان، لا يتبع طريقة واضحة في الضبط اللغوي، فيقول: «أحياناً يتوسع في الضبط، فيضع كثيراً من الحركات التي لا تسهم في توجيه النص، والتي يمكن الاستغناء عنها، وأحياناً يحذف بعض الحركات، التي يعد وجودها ضرورياً، لإدراك المعنى المطلوب.

ولا شك أن التوسع في استعمال الحركات يثقل النص، ويجعل صورة الخط رديئة، ويضاعف العبء على الكاتب والقارئ معاً كما أن التقليل من استعمالها قد يجعل النص قاصراً عن أداء المعنى المراد.

فالطريقة المقترحة للضبط تقتضي من الكاتب أن يكتفي بوضع الحرمات الضرورية فقط، والتي يؤدي حذفها إلى الوقوع في اللبس أو ضياع المعنى، وتقتضي في الوقت نفسه عدم إثقال النص بحركات لا حاجة إليها.

قال أبو بكر بن مجاهد «والشكل لما أشكل، وليس على كل حرف يقع الشكل، إنما يقع على ما إذا لم يشكل التبس، ولو شكل الحرف من أوله إلى آخره _أعني الكلمة_لأظلم، ولم تكن فائدة، إذ بعضه يؤدي عن بعض».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن