قضايا وآراء

سخونة إقليمية دولية متفاوتة التأثير على ضفاف الصراع السوري

| عبد المنعم علي عيسى

برزت في غضون الأسابيع القليلة الماضية مجموعة من المعطيات على ضفتي المشهدين الإقليمي والدولي يتسم بعضها بسخونة تنبئ باقتراب الحالة إلى درجة الاشتعال، ومن المقدر لها، كيفما سارت وجهتها سواء نحو التأجيج أم التبريد، أن تكون شديدة التأثير في المشهد السوري الذي طالت مراوحته لدرجة تداعت معها بعض أطياف المعارضة السورية لعقد مؤتمر لها في الدوحة أواخر شهر شباط المقبل، مع الإشارة إلى أن منظميه كانوا قد فضلوا إطلاق تسمية «ندوة» تشاورية على ذلك الفعل، وهي، أي تلك الندوة، تهدف «إلى إيجاد مخارج سياسية للوضع المعقد في المعارضة السورية»، والخروج بمقترحات وتوصيات، بعدما «عجزت» مسارات أستانا وسوتشي ومعهما «اللجنة الدستورية» عن دفع عربة التسوية السورية كما يقول هؤلاء، ومن خلالها سيجري رسم «مشروع للحل» في سورية على أن يتم عرضه على غرف صناعة القرار في الدول المعنية بالشأن السوري.

أولى تلك المعطيات تتمثل في التوتر الروسي الغربي الذي بدأ مع خروج الأزمة الأوكرانية إلى العلن قبيل نحو شهرين، والمتمدد باتجاه أوروبا الشرقية التي عمدت الولايات المتحدة مؤخراً إلى نشر قوات عسكرية فيها كنوع من ممارسة الضغط على موسكو التي لن ترضى، فيما لو اندلعت الحرب مع جارتها الأوكرانية، بأقل من قيام دولة مستقلة في دونيتسيك ودونباس شرقي أوكرانيا، ما يعزز اختلال ميزان القوى، المختل أصلاً منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم العام 2014، القائم في معسكر الملتحقين بـ«الناتو» في محيط الاتحاد الروسي، هذا التصعيد الذي يعمد إليه الطرفان لربما يشكل مؤشراً كبيراً على استعدادهما للولوج في صفقة كبرى لن تكون محصورة بجغرافيا أوروبا الشرقية والمحيط الروسي، بل يمكن أن تتعداها لتصيب شظاياها جغرافيا الشرق الأوسط وفي قلبه الأزمة السورية، ومن المؤكد الآن أن استعادة تنظيم «داعش» حضوره في خلال الأسابيع الماضية التي شهدت هجوماً للتنظيم على «سجن الصناعة» بحي غويران في الحسكة، يأتي في سياق الضغط الأميركي على موسكو عبر الإيحاء بأن ذهاب الأخيرة نحو «دونباس» يمكن أن يقابله اعتراف أميركي بحكم ذاتي للأكراد في مناطق شرق الفرات السوري، والمؤكد أيضاً أن الحدث ناجم بالدرجة الأولى عن فعل أميركي، والأمر لا يعني بالضرورة تواصلاً مباشراً بين واشنطن وهياكل التنظيم، إنما يعني توجيهاً للدفة عن بعد تقوم به الأولى لتحريك هذي الأخيرة، سواء أكان عبر توسعة هوامش الحركة، أم في تخفيف الرقابة على التمويل والتسليح اللازمين للقيام بنوع كهذا من العمليات.
المعطى الثاني يتمثل في «الولادة» المرتقبة للتفاهم الأميركي الإيراني الذي تشير العديد من المعطيات إلى اقتراب الإعلان عنه، كما تشير العديد من المعطيات أيضاً إلى أنه لن يقتصر على الملف النووي الإيراني، ولا حتى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، بل سيتعداها لجهة وجود ملحقات به تختص بالدور الإقليمي الإيراني، أين يبدأ، وما هوامشه، ثم أين ينتهي، وهذا سيشكل مدخلاً لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة برمتها، والفعل من حيث النتيجة سيكون شديد التأثير في الأزمة السورية والمآلات التي يمكن أن تذهب إليها بعيد أن يرى «الوليد» الجديد النور.
ثالث المعطيات هو مؤتمر القمة العربي المقرر عقده في الجزائر شهر آذار المقبل، والذي تشير العديد من المؤشرات إلى احتمال أن يشهد ذلك المؤتمر عودة دمشق إلى محيطها العربي الذي جرى إبعادها عنه قسراً منذ خريف العام 2011 كتعبير عن انزياح مركز الثقل العربي باتجاه منطقة الخليج العربي، بعد أن شهدت محاور الثقل التقليدية أوضاعاً أدت إلى ضعف فعاليتها في مواجهة الرياح الهوج التي اجتاحت المنطقة منذ شتاء العام 2010 وصولاً إلى ربيع العام الذي يليه، والفعل، أي عودة دمشق لمحيطها، لا يزال محل تجاذب بين مراكز قوى عربية عدة، حيث يمثل لقاء الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون نظيره المصري عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي بالقاهرة خير تعبير عن ذلك التجاذب، ومن الراجح أن ذلك اللقاء لم يفض للغايات التي أرادها له الرئيس الجزائري الذي أبدت بلاده، في عهده، تمسكاً ليس غريباً على سياساتها بعودة دمشق للجامعة العربية، فالراجح أيضاً أن الرئيس المصري قابل تلك الاندفاعة الجزائرية بفتور يشي أن القاهرة ليست في وارد أن تبدي «الحماس» الذي تبديه الجزائر تجاه قضية حساسة كهذه، فالحسابات المصرية، وفق الفتور الذي أبداه السيسي، يصعب عليها الخروج عن «الغمزات» الأميركية، وعن «رفع حواجب» بعض الخليجيين.
هذه المعطيات ستكون وفق التراسيم التي ستنتهي إليها ذات تأثير دامغ قد تمتد مفاعيله لوقت طويل، وإذا ما كان لنا أن نرجح فإن المعطى الأول ذاهب نحو صفقة كبرى، إلا إذا ما انفلت عيار النار، وهي، أي تلك الصفقة، ستكون إحدى نتائجها الملموسة تبريد الروؤس الحامية في الشرق السوري، أولئك الذين أسخنت واشنطن رؤوسهم حتى غدت الحرارة فيها ممهدة لحالة «الهذيان» التي ظهرت عليها تلك الرؤوس في الآونة الأخيرة عبر محاولة إبراز «القامشلي» كند لدمشق، وفي المعطى الثاني فإن من المرجح أن يقود «وليد» فيينا نحو تهيئة مناخات أكثر إيجابية على الواقعين السياسي والاقتصادي السوريين، لكن كلا الإثنين بحاجة لوقت لكي تنعكس آثارهما على الثالث فتجيء نتائج هذا الأخير إيجابية هي الأخرى، فوفق محطة القاهرة 25 كانون ثاني الجاري يبدو أن عودة دمشق إلى الحضن العربي باتت مؤجلة ما لم يجر تأجيل القمة، المؤجلة أصلاً، إلى خريف هذا العام، عندها قد تكون مفاعيل المعطيين الأولين قد سارت في أخاديدها التي ستختطها سريعاً، ليشهد ذلك الخريف عودة الجوهرة السورية إلى عقد العرب الذي افتقد جل بريقه منذ ما يزيد على عشر سنوات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن