ثقافة وفن

الوقت الضائع

إسماعيل مروة :

إن السيرورة تقتضي أن الوقت الضائع ضائع، وما سمي كذلك إلا لأن الطبيعة تقتضي الاسم المصطلح، وقد اعتاد المراقبون والحكام تحديد الوقت الضائع بلوحة كبيرة، غالباً ما تكون باللون الأحمر، بما يحمله هذا اللون من إغراء وطمأنينة، وبما يحمله من شبه بالدم… وما إن ترفع هذه اللوحة في أي ملعب، مهما اتسع الملعب ليصل في أحايين إلى مساحة الأوطان حتى ينقسم اللاعبون إلى طرفين، أحدهما يتمنى أن ينقضي الوقت وهو يحقق الفوز، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن يحقق الآخر التعادل فيحرمه متعة الفوز التي استهلكت وقتاً طويلاً من الجهد والعرق! والثاني يتمنى أن يمتد الوقت الضائع طويلاً طويلاً لعله يلحق بالآخر ويحقق الفوز، أو على الأقل يحرمه متعة الفوز! وما بينهما يبدأ الجمهور مع شارة الوقت الضائع بالتسلل من المكان يجرّ فرحاً متخيلاً، أو خيبة كبيرة لم يكن يتمناها… والحكم المتحكم المراقب هو وحده المستمتع بإنهاك الطرفين.
يرقب العرق المنسرب تحت الثياب، ويدفع اللاعبين إلى الخشونة والقسوة والعنف، ويزداد استمتاعاً إن رأى الدم يغطي وجه أحدهم، يرشه بالماء ويلعنه إن نجا ولم يمت!!
الكرة مهوى الفؤاد، ووطن اللاعبين تتأوه واللاعبون يتقاذفونها! تتوسل للحكم المراقب أن ينهي اللعبة، فلم يعد عندها قدرة على الاحتمال، هدّها الركل إلى كل جهة من الجهات، وصارت لا تملك القدرة على الوقوف أمام أقدام اللاعبين الفرحين والمنتقمين على السواء..
إنه الوقت الضائع، وما أقسى الوقت الضائع!
إنه المتسع جداً، فقد يتجاوز زمن المباراة خمسة أضعاف، وربما ألف ضعف
إنه الذي قد يصبح عمر اللاعبين، وعمر الكرة والحكم وحده هو الذي لا يطوله الأذى
في نهاية اللقاء الدموي العرقي سيطلق صافرته معلناً فوز أحدهم وخسارة الآخر!
وربما يصدر قراره بخسارة الأفضل إن ألبسه تهمة ما!
وربما أصدر إشارته معلماً التعادل بينهما، وأي تعادل تتبعه لعبة!
وحده التعادل لا يعني شيئاً عند المراقب!
وأفظع شيء أن يعلن خسارة الفريقين!
هذا خسر اللعبة، وذاك خسر جهود مخلصيه وفنانيه ولاعبيه!
أليس بالإمكان أن يهنأ اللاعبون بالعشب الأخضر!
أليس بالإمكان الاستغناء عن الوقت الضائع المتطاول؟!
إنه رصاصة الرحمة في جبهة الفريقين
ما فائدة أن تفوز في الوقت الضائع بعد إصابة الماهرين؟
ضربة قاضية أو نقاط تحتسب
الضربة القاضية دم ودمار ورماد وموت
بأي جولة جاءت الضربة القاضية هي موت
واحتساب النقاط إنهاك للوصول إلى ما يشبه الضربة القاضية…
مع الصافرة توزع المكافآت، وذاك يستقبل مكافأته والدم ينفر منه، وهو عاجز عن التنفس!
لماذا المكافأة للخاسر؟
ليعود مرة أخرى بعد انتهاء الوقت الضائع بين لقاءين
فلتركع يا هذا فرحاً بأنك لست لاعباً، وبأنك لن تجود بدمك للعبة الكبار التي أرادها السماسرة والحكام والمراقبون والكبار
اسند رأسك إلى صدر إلهك واستغرق طويلاً
وحدك لا تعرف الوقت الضائع

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن