قضايا وآراء

حين يدفع اليأس ساسة إسرائيليين إلى الهجرة

| تحسين الحلبي

يبدو أن الهجرة المعاكسة من الكيان الإسرائيلي إلى أوروبا وأميركا وكندا، لم تعد تقتصر على المستوطنين العاديين، بل أصبحت تشمل معظم قادة وكوادر المنظمات اليسارية الإسرائيلية ممن كانوا يحلمون «بإيجاد حلول غير عنصرية حادة وإقصائية للفلسطينيين في المشروع الصهيوني»، بموجب ما ذكرته صحيفة «معاريف» وموقع «روتار العبري» أول من أمس، فقد نشر المصدران أسماء قادة إسرائيليين لمنظمات غير حكومية يعارضون سياسة اليمين وكذلك سياسة حزب العمل وبقية الأحزاب في التعامل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وظهر بينهم اسم المفكر الإسرائيلي الآن بابيه الشهير بمعارضته للسياسة العنصرية الإسرائيلية، ومن هذه المنظمات «حركة رفض الخدمة في الجيش» ومنظمة «بيتسيليم» الشهيرة ومنظمة «كسر الصمت» ومنظمة «زوخروت» التي لا تنفي وجود نكبة للفلسطينيين عام 1948، وتكشف صحيفة «معاريف» أن قادة وعدداً من كوادر هذه المنظمات قرروا نتيجة تزايد مظاهر نظام الأبارتايد العنصري في إسرائيل وشعورهم باليأس من فرض تغيير على هذه السياسة اليمينية، تنفيذ هجرة معاكسة إلى دول أوروبا بعد فقدان ثقتهم بمستقبل المشروع الصهيوني، ويذكر أن صحيفة «هآريتس» كانت قد نشرت تحليلاً موسعاً قبل تسع سنوات واستشهدت به صحيفة «معاريف» أول من أمس حول الهجرة المعاكسة جاء فيه: إن 40 بالمئة تقريباً من الإسرائيليين يفكرون بمغادرة إسرائيل إلى الدول التي جاؤوا منها بسبب انعدام الأمن والمستقبل الآمن والاقتصادي فيها، وتبين في هذه الأوقات أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتداول بأرقام يزيد بعضها على مليون ونصف الملي`ون من الإسرائيليين الذين نفذوا هجرة معاكسة إلى أوروبا وكندا وأميركيا نتيجة هذه الأسباب خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي العقود التي تصاعدت الانتفاضات فيها داخل الضفة الغربية بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو عام 1993، بل إن الموقع الإلكتروني للكنيست ذكر أن عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة كمواطنين أميركيين أصبح 800 ألف وبالمقابل كان عدد الفلسطينيين الصامدين المتمسكين بالبقاء داخل الأراضي المحتلة يزداد حتى بلغ سبعة ملايين يعيش منهم مليونان في قطاع غزة وثلاثة ملايين في الضفة الغربية والقدس ومليونان تقريباً في الأراضي المحتلة عام 1948، على حين أصبح عدد اليهود المستوطنين أقل من سبعة ملايين، من بينهم 300 ألف لا تعترف السلطات الحاخامية التشريعية بأصولهم اليهودية.

يبدو من الواضح أن قدرة المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري على البقاء على هذا النحو بدأت تتزعزع داخلياً وخارجياً، فثمة هجرة معاكسة للقوى البشرية فيه، وانخفاض حاد غير مسبوق في عدد المهاجرين إليه، فلا أحد من اليهود في أوروبا أو أميركا أو كندا سيفكر بالهجرة إلى كيان أصبح عاجزاً عن ضمان أمن أفراده، على حين بلغ عدد أصحاب الأرض الفلسطينيين فيه سبعة ملايين مع قابلية نمو بشري يزيد كثيراً على المستوطنين، إضافة إلى تمسكهم بمقاومة الاستيطان والمحافظة على بقائهم فوق ما بقي من قراهم وأراضيهم.

لا شك أن تنفيذ هذا النوع من الهجرة المعاكسة من عدد من قادة المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية، وهي شخصيات هاجرت إلى هذا الكيان قبل خمسين سنة، سيحمل معه مضاعفات على إسرائيل نفسها وبالتحديد لأن هذه الشخصيات السياسية والاجتماعية اكتشفت أن المشروع الصهيوني لا يمكن أن يستمر على أرض ما زال نصف شعبها داخل تلك الأرض ويزيد عدده على عدد المستوطنين، على حين ينتظر الفلسطينيون اللاجئون الذي أبعدوا بالقوة والإرهاب عنه، يوم عودتهم والتمسك باستمرار مقاومتهم من أجل تحقيق هدفهم.

لقد كان من اللافت خلال السنوات العشر الماضية وجود تزايد للأبحاث والمقالات عند المحافل السياسية اليهودية الأوروبية والأميركية في تناول موضوع «مستقبل إسرائيل» والشكوك التي أعربت عنها حول إمكانية استمرار المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن