اقتصاد

متلازمـة المدير الذي يكسر النوافذ

| د. سعـد بساطة

يروي صديقي المهندس عـصام؛ أنه في اليابان منذ سنوات طويلة، كان هنالك رئيس لبعثة دبلوماسية شرق أوسطية اشتهر عنه الفساد.

وفي يوم من الأيام ضرب العاصمة طوكيو زلزال قوي نسبياً لكن ليس إلى الحد الذي تنهار معه المباني أو تتكسر بسببه الأواني.

فما كان من ذلك المسؤول إلا أن قام عمداً بتكسير اللوحات وإسقاط التحف وإتلاف الأثاث والتقط الصور وبعثها إلى بلده في تقرير ليطالب بتعويضات وميزانية لتأثيث المكاتب ومنزله من جديد حيث يستطيع التلاعب فيها.

كانت تلك الحادثة مثل صفارة بدء السباق لذلك المسؤول وموظفيه لحفلة الفساد التي انتهت بعقاب وإجراءات صارمة حيالهم جميعاً.

هناك نظرية شهيرة في علم الاجتماع تحت مسمى (النافذة المكسورة) التي مختصرها: إن إهمال معالجة المشكلات مهما كانت صغيرة سيؤدي إلى استفحال الوضع وتعقد الأزمة بتأثير سلبي على سلوكيات الناس وتصرفاتهم.

وبالمقابل فالتعامل بحل أي مشكلة مهما كان حجمها سيترك أثراً إيجابياً وتفاعلاً أفضل من الناس في تلك البيئة.

وأصل هذه النظرية يرجع لعام 1969م مع خبير علـم الاجتماع فيليب زيمباردو الذي قام بالتجربة التالية؛ حيث ترك سيارة بأبواب مفتوحة من دون لوحات أرقام في حي مهجور، وكانت النتيجة أن سكان الحي بدؤوا مباشرة بسرقة وتخريب السيارة وتفكيكها بعد دقائق إلى أن قضوا عليها تماماً بعد ثلاثة أيام.

من جانب آخر وفي حي آخر تركت فيه السيارة مغـلقة استغرق الأمر وقتاً طويلاً من دون تحرك فعـلي تجاه السيارة الواقفة. فقام بعدها صاحبنا بتكسير إحدى نوافذ السيارة لتبدأ بعدها عملية النهب وسرقة السيارة ومكوناتها حتى تلاشت.

وبالعودة لذلك المسؤول الذي كسر التحف وخرب الأثاث، فيمكن أن نجزم أن تلك الأفعال سبقتها خطوات وممارسات أصغـر لم تجد من يرصدها أو يردعها، هذا شجعـه على التمادي ونشر ثقافة الفساد في محيطه.

وكما يقول خبير التقانـة بشركة ميتسوبيشي: «لو أن فرداً واحداً مهملاً وُجد في الفريق فذلك خطر على المنظومة كلها».

ملخص النظرية: إن إهمال معالجة أي مشكلة في بيئة ما -بغض النظر عن صغر حجمها- سيؤثر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكل سلبي ما يؤدي إلى مشاكل أكثر وأكبر…. والعكس صحيح أيضاً، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع سيؤدي إلى بيئة أفضل وسلوك أحسن.
ما يثير الاهتمام في هذه الدراسات أن الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتعمد للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين بل معظمهم من عامة الناس والمواطنين الملتزمين بالقانون! ومع ذلك فإن النافذة المكسورة أرسلت رسالة خفية توحي بأنه «لا أحد يهتم وعلى الأرجح لا توجد عواقب لإتلاف ما تم كسره»!
مثال: إذا سمح معلم لأحد الطلاب بالغش في امتحان مادة ما، فسيكون الغش مقبولاً في امتحانات أخرى ومن طلاب آخرين في جميع مستويات التعليم. -وفي المنزل، إذا كنت لا تغسل الأطباق بعد الأكل مباشرة فسيؤدي ذلك إلى تراكمها وربما إلى مشاكل صحية كبيرة في المستقبل.
وقد يؤدي خلاف صغير مع شريك حياتك إلى مشاكل أكبر تنتهي إلى الانفصال والتفكك الأسري الذي قد يستمر تأثيره إلى عدّة أجيال… لذلك فإن تجاهل المشاكل الصغيرة اليوم سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير في المستقبل.
ختاماً، كما أن شرارة صغيرة قد تتسبب بحرائق ضخمة وخسائر مهولة، فإهمال صغير وتجاوز بسيط قد يتفاقم لنتائج كارثية.
هنا تأتي مسؤولية المدير بالنصح والإرشاد والتوعية وإذا تطلب الأمر بالحزم في التعامل الصارم مع التجاوزات والمخالفات، فالأمر قد يكون كالتعامل مع استئصال ورم سرطاني خبيث بكل سرعة قبل أن يقضي على حياة الإنسان المصاب.
ومن دون شك فالمهم أن يكون المدير هو القدوة والشخص المبادر دوماً في الالتزام بالأنظمة والتعليمات وتطبيق الممارسات الإيجابية التي ينادي بها.
باختصار، كُن المدير الذي يمسح النافذة ويحافظ عليها نظيفة سليمة ويعالج أي خدش أو كسر بها مباشرة، وإياك ثم إياك أن تكون المدير الذي يكسر النافذة أو يسمح للآخرين بكسرها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن