قضايا وآراء

لا يصح إلا الصحيح

| منذر عيد

جميل أن تكون الزيارة الأولى لوزير خارجية سلطنة عمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي إلى سورية بعد توليه مهامه، لما لذلك من دلالات على قرب ومكانة دمشق من السلطنة، وعمق العلاقات بينهما، إلا أن للزيارة وبحسب ما جاء علانية أو ما بين تصريحات البوسعيدي ووزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، دلالات وأهدافاً أبعد من إطار العلاقات الثنائية، فجميع تلك التصريحات، إضافة إلى المحطة التي انطلق منها الوزير العماني وهي اجتماع خارجية الدول العربية في الكويت، تؤكد أن الزيارة تحمل معها بذور عودة سورية إلى الجامعة العربية وحضورها القمة العربية المقررة في الجزائر.

في كل كلمتين تحدث بهما البوسعيدي بالأمس للصحفيين كان ثالثهما كلمة أو جملة عن التضامن العربي واللحمة العربية، ليؤكد أن «هناك جهوداً خيرية تقوم بها العديد من الدول في الوقت الحاضر للمّ الشمل، ولتصفية الأجواء وتصحيح أخطاء الماضي والتوجه بنظرة تكون أكثر مستقبلية، ونحن نتفاءل من خلال هذه اللقاءات والحوارات، وأعتقد في النهاية مثل ما يقال لا يصح إلا الصحيح، والصحيح التئام العلاقات العربية العربية»، وبالطبع كلام وتفاؤل الوزير العماني لم يكن أحادي الجانب، وليس نابعاً من توقعات أو تخمينات «البصارين» بل هو أدرى بالأجواء السياسية العربية، وخفايا ما يدور في كواليس وأروقة تلك الأجواء، لتؤكد مواقف المقداد مواقف البوسعيدي، ورؤيته لمستقبل العلاقات العربية السورية، حين أكد وجود جهود خيّرة تقوم بها العديد من الدول في الوقت الحاضر للمّ الشمل وتصفية الأجواء وتصحيح أخطاء الماضي والتوجه بنظرة تكون أكثر مستقبلية لعلاقات التعاون العربي المشترك والتضامن وتجاوز الماضي.
من الواضح في جملة المواقف العربية، والتصريحات، والمساعي التي يقوم بها البعض، أن العرب برمتهم، إلا من أصر على الاستمرار بلعب الدور الوظيفي المناط به في سورية، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم عدد أصابع قدم النعامة، أدركوا حجم الخطيئة التي تمت بحق دمشق في تشرين الثاني 2011 من خلال تعليق عضويتها في الجامعة العربية، ليتداعى الجميع قبيل قمة الجزائر إلى تصحيح تلك الخطيئة، والعمل جاهدين إلى ضرورة أن يكون لدمشق حضور فاعل في أعمالها، الأمر الذي بدا جليا في كلام البوسعيدي لحظة وصوله مطار دمشق الدولي ووصفه دمشق بأنها ركن أساسي من أركان العمل العربي المشترك والتضامن العربي، قائلاً: «أعتقد بأن جميع الإخوة والأشقاء العرب يتطلعون دائماً إلى التلاقي مع سورية وإلى عودة اللحمة العربية إلى وضعها الطبيعي، كل مساعينا أنا وغيري من إخواني العرب تصب في هذا الاتجاه».
ليس من الغريب أن ينيط العرب بالسلطنة دور الوسيط، أو يجعلوها «الرجل الثقة» في التقرب من دمشق، لطالما كانت سلطنة عمان بيضة القبان في جميع الحلول لأزمات المنطقة العربية، وكانت صاحبة السياسة الهادئة الرزينة العقلانية، وهي من قامت وتقوم منذ بداية الأزمة السورية، بدور كبير في سياق تطبيع العلاقات وعودة سورية إلى البيت العربي، طبعاً إضافة إلى أدوار كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والجزائر والعراق ومصر ومؤخراً دور الأردن البارز في هذا الإطار.
كتب موقع «المونيتور» الأميركي: «مصر وعمان تمنحان عودة سورية محتملة إلى الحظيرة العربية»، ليؤكد أن وزير خارجية مصر سامح شكري استغل لقاءه نظيره العماني في الشهر الماضي بالقول: «نأمل أن تتوافر الظروف لعودة سورية إلى المجال العربي وتصبح عنصراً داعماً للأمن القومي العربي، وسنواصل التواصل مع الدول العربية لتحقيق هذا الغرض»، ليضاف الموقف المصري إلى مواقف كل من الإمارات التي زار وزير خارجيتها عبدالله بن زايد آل نهيان دمشق في تشرين الثاني الماضي، وتأكيده في آذار الماضي خلال لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف ضرورة التعاون الإقليمي لبدء مسار عودة سورية إلى محيطها، وإلى موقف الجزائر التي قال رئيسها عبد المجيد تبون في تشرين الثاني: إن «سورية من المفروض أن تكون حاضرة في القمة العربية»، ولا يخفى تحركات الأردن المكثّفة على أكثر من جبهة إقليمية ودولية، من أجل عودة سورية إلى جامعة الدول العربية.
من المؤكد أن الخلافات التي يزرعها «البعض» عائقاً في وجه عودة «الدول العربية إلى سورية»، أقل بكثير وكثير جداً إذا ما تمت مقارنتها بضرورات العودة، ولن نغوص كثيراً في تلك الموجبات والضرورات، بل سنكتفي بدعوة الجميع للاطلاع على مخطط الصهيوني برنار لويس الذي وافق عليه الكونغرس الأميركي عام 1983 في جلسة سرية وبالإجماع، والذي يقول ذاك المخطط وبالمختصر الشديد: إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ويدعو إلى تقسيم مصر إلى أربع دويلات، والسودان إلى أربع، وشبه الجزيرة العربية إلى ثلاث دويلات والعراق إلى ثلاث، وسورية إلى أربع دويلات ولبنان إلى ثمانية كانتونات… وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن