من دفتر الوطن

السرقة الكبرى

| حسن م. يوسف

دخل لص إلى أحد البيوت بِنيَّة السرقة، ولما اكتشف صاحب البيت وجوده وأراد القبض عليه بغية تقديمه للعدالة، قام اللص بإشعال النار في غرفة المؤونة، فانشغل الرجل وأهل بيته بإنقاذ مؤونتهم من ألسنة النيران، ولما هب الجيران للمساعدة قام اللص بإشعال النار في بيت الجيران، وجيران الجيران. هكذا راح الحريق يتنقل من بيت لآخر، وكلما نوت عائلة أن تسهم في القبض على اللص، سبقها وأشعل النار في بيتها، فانشغلت عنه بمصيبتها. كما تمكن اللص من استثمار المشاكل العائلية داخل بعض البيوت، فأغرى الأنذال من أبناء العائلات المنكوبة بالتعاون معه والتستر عليه لقاء تخصيصهم بحصص من المسروقات، وعندما تجمعت بين أيدي أعوانه الأنذال كميات من الذهب أكبر من قدرتهم على الإنفاق، اقترح عليهم أن يودعوا الذهب في خزائنه الحصينة، على أن يعطيهم بها سندات خضراء مضمونة وجيدة الطباعة، مطمئناً الجميع بأنه يمتلك غطاء من الذهب يوازي ما يطبعه من سندات، ومتعهداً بأن يقدم لأي جهة أونصة من الذهب مقابل كل 35 من الأوراق الخضراء التي قام هو نفسه بطباعتها. هكذا اعتبرت تلك الأوراق عملة صعبة معادلة للذهب ومعياراً نقدياً دولياً لكل عملات العالم. فأقبل الناس والدول على شرائها وتخزينها، بينما راح اللص يطبع المزيد منها ويشتري بها خيرات العالم، بما في ذلك ذهب الآخرين.

ولما تجمع معظم ذهب العالم في خزائن ذلك اللص وتضخمت كمية السندات في خزائن أعوانه وغيرهم ممن صدقوا بأنهم قادرون على تحويلها إلى ذهب في أي وقت يشاؤون، عندها قام اللص بكشف خدعته الكبرى، إذ أعلن بأنه لن يسلم حاملي الأوراق ما يقابلها من الذهب، وأن سنداته قوية بسمعته وقوة اقتصاده، لذا سيقوم بتعويمها حيث يتم تحديد سعر صرفها بناء على العرض والطلب في السوق.

الشيء الذي لا يصدق هو أن معظم من استبدلوا ذهبهم بالورق الأخضر التزموا الصمت، لأنهم خافوا إذا ما اعترضوا على النظام النقدي الجديد أن تتحول أطنان السندات التي لديهم إلى أكوام ورق لا قيمة لها، وهكذا نجح اللص في الاستيلاء على جل خيرات العالم وذهبه، كما نجح في سرقة كل من ساعدوه في سرقة بيوت أهلهم، مقابل أوراق قام هو بطباعتها!

لك كل الحق أيها القارئ العزيز أن تضحك من هذه الحكاية وأن تحسبها مجرد خيال خرافي سخيف، لكن هذه الحكاية، على سخافتها، توجز بدقة، الخدعة الذي يعيشها العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

ففي عام 1944 وقّعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية اتفاقية بريتون وودز التي جعلت الدولار هو المعيار النقدي لكل عملات العالم. وقد تعهدت أمريكا بموجب تلك المعاهدة أن تغطي كل ما تطرحه من دولارات، بالذهب، وتقضي الاتفاقية أن تسلم أمريكا أوقية من الذهب لأي فرد أو جهة يقدم لها 35 دولاراً. لكن الأمور سارت كما في الحكاية السخيفة التي سردتها عليكم، ففي 15 آب 1971 أعلن نيكسون أن الولايات المتحدة قد أنهت «قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب. «أي إن الدولار لم يعد يكلف الدولة الأمريكية سوى ثمن ورقه وحبر طباعته! ولإرغام العالم على مواصلة السكوت شنت أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن 201 نزاع مسلح في 153 منطقة من العالم، وهذا يبلغ 81 بالمئة من مجمل حروب العالم. وقد أوجز نيكسون الوضع بقوله: «يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها».

لذا يجب ألا ننسى أن اللص الأمريكي وأعوانه داخل بيوتنا، هم من يسرق اللقمة من أفواه عيالنا، وهم السبب فيما نعانيه من غلاء وبلاء!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن