قال زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر في كلمة بث مكتبه مقتطفات منها في الـ24 كانون الثاني 2022: «دعوت هادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض للمشاركة في حكومة الأغلبية، بشرط عدم مشاركة المالكي لكنهم رفضوا ذلك».
فرد نوري المالكي رئيس «ائتلاف دولة القانون» في تغريدة له في الـ27 كانون الأول 2022: «من موقع القوة والاقتدار والشعور بالمسؤولية، أقول لكل من يبحث عن خلافات وتنفيس أحقاد وكراهية، أن يدي ممدودة لأفضل العلاقات، إذا كانت فيها مصلحة العراق وشعبه، ومن دونها لا أحب ولا أرحّب بأي علاقة وشراكة مع أي طرف يُضرّ بمصلحة العراق وكرامة الناس».
المشهد السياسي داخل البيت السياسي الشيعي بدأ يتجه بشكل متسارع نحو المزيد من التعقيد والتوتر، بعد إعلان الصدر موقفه الصريح والواضح بشأن إمكانية الاتفاق مع جميع أطراف الإطار التنسيقي، باستثناء الاتفاق مع «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي الذي يملك 34 مقعداً، والتي تشكل نحو نصف مقاعد «الإطار التنسيقي».
الخلاف والتناحر بين مقتدى الصدر ونوري المالكي، الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، تعود بدايته إلى الـ25 من آذار 2008، حين أمر رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي قوات الجيش، القيام بحملة عسكرية في وسط العراق وجنوبه للقضاء على شبكات الجريمة المنظمة ومهربي النفط، استهدفت أساساً عناصر وقيادات جيش المهدي التابع للتيار الصدري.
القتال الذي استمر قرابة ثلاثة أسابيع، توقف بعد أن أصدر مقتدى الصدر بيانات دعت أنصاره إلى إلقاء السلاح واستقبال القوات الأمنية بالورود ومصاحف القرآن، وإنهاء جميع المظاهر المسلحة، إلا أن القتال أسفر عن مقتل نحو 1500 شخص من كلا الطرفين، بينهم مدنيون، إضافة إلى سجن 1200 من عناصر التيار الصدري، بتهمة مقاومة القوات الحكومية، ولاحقاً أدى ذلك إلى إعلان مقتدى الصدر في الـ28 آب 2008 عن «تجميد جيش المهدي إلى أجل غير مسمى»، ومنذ ذلك الوقت، الخلافات والانتقادات مستمرة بين الصدر والمالكي، ولا توجد أي مؤشرات على تغيرها نحو الأفضل، كما لم تُفلح تدخلات أطراف سياسية لحل الخلاف بين الرجلين، حتى تاريخه.
قيام وفد ضمّ رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، ورئيس تحالف عزم خميس الخنجر، بالاجتماع مع مقتدى الصدر في النجف في الـ31 من كانون الثاني الماضي، وفقاً لمبادرة من مسعود بارزاني «لوأد الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين وتحديداً بين دولة القانون والكتلة الصدرية»، لا يبدو أنهم نجحوا، فالعلاقة بين الصدر والمالكي معقدة، كما أن زيارة الوفد هي في حقيقتها محاولة لإبعاد الاتهامات التي وجهت إليهم بأنهم يعملون على شق صف البيت الشيعي، وخلق المشاكل داخله لتحقيق مكاسب سياسية، بعدما أفضى تحالفهم غير المعلن مع الصدر إلى حسم مناصب هيئة رئاسة مجلس النواب لمصلحتهم، بمعزل عن قوى الإطار التنسيقي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى أن اللقاء كان مناسبة لتسويق مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية.
إن تشكيل تحالف «شيعي» من التيار الصدري والإطار التنسيقي، ما زال شبه مستحيل نظراً للخلافات بينهما حول شكل الحكومة المقبلة بين «أغلبية» كما يريدها الصدر، و«توافقية» كما يصر عليها «الإطار التنسيقي» المتماسك حتى الآن، ما يضع الإطار التنسيقي أمام مفترق طرق، إما الدخول بشكل «جزئي» للتحالف مع التيار الصدري، ما سيدفع إلى المزيد من التشظي داخل البيت السياسي الشيعي، أو «مقاطعة» العملية السياسية برمتها وعدم تحمل مسؤولية المرحلة وتداعياتها، أو في أحسن الأحوال الاتجاه صوب «المعارضة».
وفي ظل استمرار أزمة تحديد الكتلة النيابية الأكبر التي هي في الواقع ليست وليدة اللحظة بل موجودة ومستمرة بعد كل دورة انتخابية نيابية، وما تلا ذلك من انقسامات وتحالفات واضحة في جلسة المجلس النيابي الأولى، والخلافات المتصاعدة بين القوى الكردية بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية، وكلها لاعتبارات وخلافات شخصية وفئوية، التي بدأت تأخذ منحى صراعات كسر العظم، فإن الضبابية والتعقيد مع اقتراب المواعيد الدستورية الحاكمة، في انتخاب رئيس الجمهورية، وتسمية رئيس الوزراء المقبل من الكتلة النيابية الأكبر، هو السائد حتى الآن، وخاصة أنه لا يلوح بالأفق أي بوادر لحل الخلافات القائمة بين الكتل السياسية.
ووفق الظروف السياسية الصعبة والتحديات الخطرة الدولية والإقليمية والعراقية، فإن التوجه لتشكيل حكومة أغلبية، بإقصاء قوى سياسية مؤثرة، شيعية وكردية، ستكون عملية طويلة وصعبة، وستؤدي من دون شك إلى عدم استقرار العملية السياسية، وإلى إرباك عمل الحكومة الوليدة التي قد لا تحيا إن مُررت أكثر من ستة أشهر، والأعمار بيد الله.