قضايا وآراء

إسرائيل بين أمنستي وعنصرية الغرب

| تحسين الحلبي

اعتادت السياسة الأميركية في تعاملها مع الدول والحكومات التي تناهض هيمنتها وأشكال عدوانها، على تبني أي بيان تنشره منظمة العفو الدولية «أمنستي» ضد هذه الدول، وتقوم بتحويل ما جاء فيه إلى مادة لأكبر حملة إعلامية تستغلها في استهداف تلك الدول، وقد لجأت الإدارة الأميركية وآلات حروبها الإعلامية في الآونة الأخيرة، إلى تجاهل تقرير نشرته منظمة العفو الدولية «أمنستي» في الأول من شهر شباط الجاري، تصف فيه إسرائيل بدولة تطبق سياسة الأبارتايد العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وحمل عنوان هذا التقرير إدانة بارتكاب إسرائيل لجريمة حرب علنية فقد جاء في العنوان: «أبارتايد إسرائيل ضد الفلسطينيين: نظام سيطرة شديد القسوة وجريمة ضد الإنسانية»، وحين جن جنون المسؤولين الإسرائيليين من هذا التقرير، الذي يعد أول تقرير من نوعه في تاريخ منظمة «أمنستي» ضد إسرائيل، قامت الولايات المتحدة بتجاهل هذا التقرير وعدم تشجيع نشره برغم أن عدداً من الوسائل الإعلامية الأوروبية تطرقت إليه بنوع من الحذر والحيادية، لكي لا تتهم إسرائيل كل من يتداوله بالنشر والتوزيع معادياً للسامية، لأن الحكومة الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية فرضتا على أوروبا والغرب أن يعدوا كل من ينتقد علناً سياسة إسرائيل، معادياً للسامية، علماً أن التقرير تضمن شهادات موثقة ووقائع ملموسة عن كل ما يثبت أن الحكومة الإسرائيلية تتبنى نظاماً عنصرياً واضحاً وعلنياً، يؤكد وجود سياسة منهجية دائمة عنصرية يجري تنفيذها على كل أشكال عمل وحقوق وحياة ووجود الفلسطينيين الذين أصبح عددهم يزيد على عدد المستوطنين اليهود في كل فلسطين المحتلة.

إن مقارنة بسيطة لما كان ينفذه العنصريون البيض في جنوب إفريقيا ضد أصحاب الأرض الأفارقة في تلك البلاد، لا يعد صفحة في سجل النظام العنصري الذي تفرضه إسرائيل وقوات احتلالها على شعب من سبعة ملايين فلسطيني، ما زالوا يتمسكون بوجودهم فوق ترابهم الوطني، وقد شكل تقرير «أمنستي» بمضمونه وبصفته صادراً عن مؤسسة غربية تعد أداة للغرب لخدمة السياسات الغربية في معظم المناسبات، فرصة جيدة للقادة والنشطاء السياسيين الفلسطينيين وللدول العربية والإسلامية لاستخدام هذا التقرير في جميع المنابر والمنظمات الدولية لإدانة إسرائيل وتوسيع حملة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، لأنهم أصبحوا آخر الشعوب التي ما تزال منذ أكثر من قرن تناضل من أجل حماية حقوقها الوطنية والإنسانية في الساحة العالمية، وهذا القرار يعيد إلى أذهان البشرية كلها التذكير بالقرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/11/1975 وأدانت فيه الصهيونية كنظام عنصري، ثم عادت عام 1991 وألغت صفة العنصرية عن الصهيونية، فاستغلت إسرائيل هذا القرار الثاني لفرض منع نشر أي عبارة تعد الصهيونية أو إسرائيل عنصرية على أوروبا والمجتمع الدولي وفرضت ذلك على منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وكافة منظماتها.

لا شك أن المطلوب الآن من جميع منظمات الشعب الفلسطيني النضالية ومن كل الدول العربية والإسلامية والدول التي تتضامن مع الشعب الفلسطيني في كل مكان، تحويل هذه الإدانة إلى قرار في الجمعية العامة، وعدم الاكتفاء بما ذكرته منظمة «أمنستي» عن جريمة العنصرية الإسرائيلية، ولا بد من إقناع منظمة حقوق الإنسان بتبني هذه الصيغة التي تكشف جرائم إسرائيل المستمرة منذ عام 1948.

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية أعدت مشروع خطة نقلته إلى جميع الدول الأوروبية وللولايات المتحدة، لإزالة قرار «أمنستي» قبل أن يتمكن الفلسطينيون من تحويله إلى شعار عالمي لنزع الشرعية عن دولة الكيان الإسرائيلي، فقد حذر عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية من خطورة هذا القرار على إسرائيل، وضرورة العمل على إلغائه، بل إن بعض الوزراء اتهم كل من يتعامل به ويؤسس عليه سياسات مناهضة لإسرائيل، بمعاداة السامية.

وتعليقا على قرار «أمنستي» بدأ الإسرائيليون يستذكرون كيف سقط نظام جنوب إفريقيا العنصري بعد مقاومة مسلحة بدأتها منظمة «المؤتمر الوطني الإفريقي» منذ عام 1962 ضد النظام العنصري لتحرير جنوب إفريقيا من المستوطنين البيض، ففي عام 1973، اتخذت الأمم المتحدة قراراً وصفت فيه نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا بارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وضد أصحاب الوطن في جنوب إفريقيا، ثم قامت الأمم المتحدة بإيقاف عضوية دولة جنوب إفريقيا العنصرية فيها، وحققت مقاومة شعب جنوب إفريقيا انتصارها في عام 1994 حين حررت البلاد من المستوطنين ومنحت الحكم للشعب، وبذلك الانتصار أنهت احتلال البلاد وفرض النظام العنصري على الشعب منذ عام 1948، بينما ما يزال الشعب الفلسطيني يناضل وبكافة الأشكال منذ عام 1948 من أجل استعادة حقوقه الوطنية فوق ترابه الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن