اقتصاد

مشروع الدعم والأمن الاجتماعي

| محمود الصالح

أثار إطلاق ما سمي مشروع الدعم الاجتماعي الكثير من ردود الفعل السلبية، لدرجة أننا لم نسمع برأي واحد يساند هذا المشروع على الرغم من وجود مثل هذا الرأي. لكن صاحبه لا يريد التعبير عنه ويكون بمواجهة هذه الموجة الغاضبة على الشكل الذي ظهر فيه قرار إعادة توزيع الدعم ذات صبيحة من شباط الجاري.

الحقيقة أن مجرد الحديث في هذا الأمر له محاذير كثيرة أولها أن المسألة تطول الشريحة الأكبر والأفقر من المجتمع، وهي التي لن تكون مضطرة للمجاملة خوفاً على مصالحها، لأن مصلحتها أصلاً في توافر رغيف الخبز وحبة الرز والسكر ومازوت التدفئة وأسطوانة الغاز، وفي حال فقدانها تكون سقطت ورقة التوت، ولم يعد هناك ما يمكن المجاملة فيه.

نقول ذلك بناء على ما أظهرته «تجارب» الحكومة في التعاطي مع أساسيات حياة المواطنين، والفشل الذريع الذي نجم عن هذه التجارب، والبداية في عدم التوصيف الحقيقي والموضوعي لمقياس غنى شخص وفقر آخر. حيث لا يجوز اعتبار عائلة غنية إذا كانت تمتلك سيارة مهما كانت سعتها وتاريخ صنعها، ولا يجوز اعتبار عائلة غنية إذا كانت تعيش على مساعدات يرسلها ابن أو أخ أو زوج مغترب، الأمر الآخر أن انكشاف عدم دقة بيانات مؤسسات الدولة أدى لصدمة كبيرة في وقت كانت الوزارات تتغنى في التحول إلى الدفع الإلكتروني ونوافذ الخدمة ومن ثم الحكومة الإلكترونية، وعند التطبيق اتضح أن أغلب شبكة المعلومات غير دقيقة.

ما يريده الناس اليوم ليس الاستمرار في الدعم كما هو عليه الآن، لان هناك إجماعاً على وجود فئات اجتماعية ليست بحاجة إلى الدعم، وبالتالي يجب أن يوجه ما يحصلون عليه إلى دعم أسر أكثر حاجة، لكن الأمر مرهون بصحة توصيف هؤلاء الأشخاص، اليوم هناك تجار كبار دخلهم الشهري يتجاوز عشرات الملايين، ولا يوجد باسمه سجل تجاري ولا إجازة استيراد، حيث يتم تنظيم هذه الوثائق بأسماء عاملين فقراء، وذلك بهدف تجزئة الثروة والتهرب الضريبي، لذلك من غير المنطقي أن يدفع هؤلاء الفقراء ضريبة حرمانهم من مظلة الدعم لإجراء لا يستفيدون منه أصلاً.

النتيجة: علينا أن نضع الأسس الموضوعية لتوجيه الدعم، ونناقشها مع كل أطياف المجتمع، ومن ثم يتم اتخاذ القراء بشكل هادئ بعيداً عن الانفعالية، والسعي لتحقيق منجزات وبطولات فردية وهمية، لأن الواقع المعيشي لأغلب الناس صعب جداً، وواقعهم لا يحتمل المزيد من الضغط الاقتصادي الذي سينعكس خطراً أكيداً على أمننا الاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن