في توقيت قاتل، وقبل يوم من انعقاد المجلس النيابي العراقي جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، أصدرت المحكمة الاتحادية في الـ6 من شباط 2022، أمراً ولائياً قررت فيه «إيقاف إجراءات انتخاب هوشيار محمود محمد زيباري لمنصب رئيس الجمهورية مؤقتاً لحين حسم الدعوة»، على خلفية تقدم أربعة نواب في الـ3 من شباط الجاري بدعاوى، تتهم هوشيار زيباري ورئيس الجمهورية الحالي برهم صالح بانعدام شرط الإخلاص للوطن بحسب مفهوم النص الدستوري، وخضوع زيباري للاستجواب النيابي إبان توليه منصب وزير المالية في الـ21 أيلول 2016 بتهم فساد وسوء الإدارة وهدر المال العام، انتهى بتصويت المجلس النيابي بسحب الثقة عنه وإقالته من منصبه، وقد ترافقت الدعوى وقرار المحكمة الاتحادية مع استمرار التظاهرات المنددة بترشيح زيباري، وقيام مئات المثقفين والإعلاميين بتوقيع بيان ضد ترشيحه.
رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب حسن العذاري، استبق قرار المحكمة الاتحادية بيوم واحد، معلناً خلال مؤتمر صحفي، أنه «بأمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تقرر مقاطعة جلسة يوم الإثنين في الـ7 من شباط المقبل المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية»، كما «تقرر أيضاً تجميد المفاوضات مع الكتل السياسية بشأن تشكيل الحكومة».
وبعد صدور قرار المحكمة الاتحادية، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان له، «عدم حضور جلسة مجلس النواب»، كذلك اتخذ القرار نفسه» تحالف السيادة» ممثل البيت السياسي السنّي المشكل حديثاً من تحالفي «عزم» و«تقدم».
الإطار التنسيقي، هو الآخر أعلن في بيان له «ضرورة عدم انعقاد جلسة انتخابات رئيس الجمهورية قبل إكمال التفاهمات»، مرحباً «بمواقف القوى التي اتخذت قرارنا نفسه».
مقتدى الصدر، عاد إلى تكتيكه المعروف والمتكرر، المتقلب بين الانسحاب والتجميد والاعتكاف، مربكاً خصومه وحلفاءه معاً، المجبرين خلال ذلك على الانتظار دون حراك، خاصة بعد أن أعلن في تغريدة له مساء الـ4 من شباط 2022، «إذا لم يكن مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الحليف لرئاسة الجمهورية مستوفياً للشروط، فأدعو نواب الإصلاح لعدم التصويت له»، مضيفاً: «نحن دعاة إصلاح، لا دعاة حكم».
الخلاف الكردي – الكردي بشأن مرشح منصب رئيس الجمهورية يتصاعد ويشتد، حيث يصرّ الحزب الديمقراطي الكردستاني على ترشيح هوشيار زيباري للمنصب، بمقابل تمسك غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني بالتجديد للرئيس برهم صالح لولاية ثانية، متسبباً ذلك في إحداث شرخ بين باقي الكتل السياسية التي انقسمت في دعمها لأحد المرشحين الاثنين، مربكاً التيار الصدري الراغب بإبعاد خصومه من البيت السياسي الشيعي من المشاركة بالحكومة المقبلة، لحاجة كلا الطرفين الكرديين المتنازعين للقوى السياسية الشيعية في تمرير مرشحه للرئاسة.
الجمود والخلاف السياسي الذي كان سائداً داخل البيت السياسي الشيعي، ما بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، توسع الآن ليشمل كل القوى السياسية العراقية، فارضاً شكلاً غير معهود من أشكال الانسداد السياسي، دافعاً بالحال العراقي نحو المجهول والهاوية، مدخلاً العراق ضمن «فراغ دستوري» غير محدد المدة لعدم القدرة على انتخاب رئيس جمهورية جديد له، وهو أمر لم يعالجه الدستور العراقي، الذي دس فيه الحاكم المدني للاحتلال الأميركي بول بريمر أثناء كتابته كل أفخاخ الفتنة والفرقة والتفجير.
حدة الخلافات السياسية التي يشهدها العراق تعكس مدى الفتنة التي تسبب بها مخدم الانتخابات النيابية في الإمارات «السيرفر» في الداخل العراقي التي جرت في الـ10 تشرين الأول 2021، فمن غير المتوقع أن تنتهي أزمة انتخاب رئيس الجمهورية سريعاً.
إن حسابات الأطراف السياسية المتنازعة معقدة ومتداخلة، فكلا جبهتي التحالف المشكلة من التيار الصدري والبارزانيين وجماعة «تحالف السيادة»، بمواجهة «الإطار التنسيقي» والطلبانيين وبعض المستقلين، غير قادرة على تحشيد أغلبية الثلثين للتصويت لمنصب مرشح رئيس الجمهورية، سواء كان هوشيار زيباري الذي يتوقع في النهاية أن ترد المحكمة الاتحادية الدعوى بحقه، أو برهم صالح، إلا أن كليهما قادر على تأمين الثلث المعطل لانعقاد أي جلسة نيابية لا يتم التفاهم بشأن مخرجاتها قبلاً، و«دبرها إذا بتدبر».