قضايا وآراء

أميركا وحروب الأسماء

| منذر عيد

من المؤكد أن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي المدعو أمير عبد الرحمن المولى، والملقّب بـ«أبو إبراهيم القرشي» في عملية أميركية نفذتها على مكان إقامته في مدينة أطمة في إدلب، يشكل حدثاً بارزاً لجهة حجم «الصيدة»، إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد أو الحدث، بل يفتح معه العديد من التساؤلات ربما تعتبر في طبيعتها أكثر أهمية من الحدث ذاته.

سرعان ما تتبادر إلى ذهن أي شخص أو مهتم بما يجري في المنطقة من أحداث، عدة أسئلة عقب العملية الأميركية، هل ينتهي الخطر الإرهابي بمقتل القرشي، وهل يعتبر هو الشر والإرهاب بمطلقه أم إنه جزء من كل، وسرعان ما سيتم تعيين خلف له؟ ولماذا اختبأ أكثر شخص مطلوب من العالم برمته تقريباً، في حضن منافسه، «جبهة النصرة»، وعلى مقربة من قاعدة الاحتلال التركي؟ وكيف تمكن جيش الاحتلال الأميركي من معرفة مكانه والوصول إليه، وهو المتنكر المجهول في مكان إقامته، بينما يمرح ويسرح، ويظهر على العلن متزعم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني في المنطقة ذاتها، من دون أن ترصده أدق كاميرات المراقبة الأميركية، أو أن تصل إليه استخباراتها؟
تقول مجلة «فورين بوليسي» الأميركية في تحليل لها عقب مقتل القرشي «تفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن بأن العملية الناجحة ستحمي الشعب الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة وتجعل العالم مكاناً أكثر أماناً (…) لكن سيكون من الخطأ التباهي بأن موته يمثل نقطة تحول في المعركة ضد الجهاد»، وهذا لب الحقيقة، فالخطر الإرهابي لا يرتبط بشخص فقط، بل بفكر وتنظيم، وهو ما يقوم عليه تنظيم داعش الإرهابي، إذ لا يقوم على شخص معين بحد ذاته، ولا ينتهي بمقتل ذاك الشخص، حيث لم ينته أو يختف حين قتل متزعمه السابق أبو بكر البغدادي وعلى اليد ذاتها وفي المكان ذاته، فهو غير محصور في مكان ضيق أو محدد، والقضاء عليه وكسر شوكته، يحتاجان إلى تكاتف وتحالف قوى عدة لتحقيق الهدف، وفي سورية يجب أولاً وقبل كل شيء أن يتعاون من يدعي محاربة الإرهاب مع الحكومة السورية، والكف عن السمسرة بورقة الإرهاب والمبازرة بها، أو اتخاذها مجالاً للاستثمار هنا أو هناك، وكما اختير القرشي خلفاً للبغدادي سيتم اختيار «س» من المسلحين الإرهابيين ليكون خلفاً للقرشي.
قتل القرشي في جحره، ولكن لماذا لا ترى عين أميركا الوراء، الإرهابي والمطلوب من قبلها المدعو أبو محمد الجولاني، وهو يتنقل بحرية بين مدن وقرى إدلب التي يسيطر عليها تنظيمه الإرهابي؟ كيف لم تر طائرات أميركا المسيّرة «الجولاني» وهو يدشن الشهر الماضي طريقاً واصلاً بين مدينتي سرمدا والدانا بريف إدلب الشمالي؟ من الجلي أن واشنطن باتت تنظر إلى الجولاني على أنه إحدى أذرعها في منطقة تغيب عنها بشكل فعلي على الأرض بخلاف مناطق سيطرة ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» العميلة لها، وهذا ما يفسح لها أن تكون حاضرة بقوة في أي قرار ميداني تتخذه قوات الجيش العربي السوري والقوات الروسية في إدلب، إضافة إلى أن وجود الجولاني يشكل عين أميركا في المنطقة، وهو ربما ما حصل بمقتل القرشي، حينما قدمه «النصرة» هدية ثمينة لأميركا، وعربون صداقة للنظر في إلغاء اسم «هيئة تحرير الشام» الإرهابية من على قائمة الإرهاب الدولي.
هروب إدارة الرئيس بايدن إلى الأمام، والقيام بعملية قتل القرشي، لا يمكن وصفهما إلا بأنهما يأتيان من باب الاستعراض، وخلط الأوراق في إدلب، وكسب معركة سياسية في الداخل الأميركي على أبواب الانتخابات النصفية، خاصة أن واشنطن تنظر إلى إرهاب داعش في سورية والعراق بعينها العوراء، وتشن حروبها الاستعراضية ضد أشخاص وأسماء، متجاهلة أن القضية ليست في القضاء على هذا الشخص أو ذاك الاسم، بل في مصداقيتها في القضاء على الإرهاب برمته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن