فداء منصور.. يغلق دائرته ويرحل! … بعد رحلة فنية حافلة بالإبداع.. يجمع أوراقه وألوانه ويرحل عن عالمنا
| سارة سلامة
الاكتئاب والضغوطات النفسية رافقته للحظة الأخيرة، لم تكن هناك مصادر لراحة باله وارتياح أعصابه، بقي هكذا الخناق يضيق به إلى أن فارق الحياة، ليودعنا الفنان التشكيلي السوري فداء منصور، حيث نعته الأوساط الفنية إثر أزمة صحية طارئة عن عمر لم يناهز الخامسة والأربعين بعد رحلة فنية قصيرة حافلة بالإنجازات.
وهو فنان وإنسان مرهف وحساس ترك أعمالاً وبصمة في هذا العالم من ناحية أعماله، حيث عمل مراراً لإبراز بصمته التي تميزت بالأسلوب الدائري، بقي يعمل ويؤسس لمنهج خاص فيه، إنسان خلوق وطيب وبسيط توجعه كل الأحداث الدائرة حوله سواء كانت قريبة أم بعيدة.
لم يستطع أن يخفي آلامه وأوجاعه، فباح لنا بها مراراً، أوجعته الحال التي وصل إليها البلد مؤخراً، اختنق بالتفكير وغاص في عالم من الآلام، أيضاً لم يكن كفنان راض عن تعاطي الآخرين معه، يبحث دائماً عن تقدير ما وتكريم وعطاء لتجربة فنية ناشئة.
قرر أن يعتزل بطريقته ويذهب بمسيرته ويغلق نطاق دائرته ويختار عالماً آخر ربما أكثر تحفيزاً وأماناً، وقد يحتوي على فسحة واسعة من التقدير، ليترك أعمالاً تشهد على موهبته وخصوصيته وطيبته الزائدة.
تجربته لم تقدر
وفي اتصال خاص لـ«الوطن» مع زوجة الراحل باسمة أركاك بينت أن: «الفنان الراحل عانى ما عانى من ظروف قاسية، أولها حال البلد الذي ترك أثراً كبيراً في نفسيته ولم يكن يستطيع أن يتماهى مع الأوضاع، يحزن على كل شارع ومدينة، يحزن على الأشخاص وما آلت إليه أحوالهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وفي الوقت ذاته لم يكن مقتنعاً بتعاطي الآخرين مع تجربته، فكان يعتبر أنه لم يقدر كتجربة فنية، الأمر الذي أدخله بموجة اكتئاب كبيرة ودخل على أثرها عدة مرات إلى المستشفى ليغادرنا بعد أن ضاقت به الحال وفاض به الألم».
عن أسلوبه
وكان يصف الراحل تجربته بـ«الدائرية»، أنها تختص بموضوع معين، فكل لوحة توحي بحالة أو ذكرى عاشها أو تخيلها، وتحمل شيئاً من السكون والعزلة وحالة الصداقة والأمومة والطقوس.
وتوجه للدائرة لأنها غريبة وصادمة للبعض، ولاقت الكثير من الاستغراب والنقد والنجاح في وقت واحد، وجاء مؤشر النجاح عبر اقتناء معظم الأعمال من جمهور الفن في سورية وخارجها.
كما أن الدائرة أثارت فضوله لكونها هي الأصل والشكل الأكثر اكتمالاً، وتدخُل في الكثير من التكوينات من حولنا من الأرض والشمس والقمر إلى دوران الأشياء حول بعضها، فعمل على البحث فيها لتأسيس مدرسة فنية خاصة تكون فيها الخطوط المنحنية نجمة اللوحة.
حيث عمل في البداية على تحليل بعض اللوحات القديمة بمنطق المدرسة الدائرية كالموناليزا، إضافة إلى مجموعة أعمال معاصرة عكس من خلالها رؤيته ومشاعره تجاه مختلف المواضيع مستبعداً في الأغلب الخط المستقيم، وإن كان هذا الخط هو جزء من الدائرة.
وهذا الأمر انسحب أيضاً على عنصر اللون الذي يوحي بالأمل والفرح والدفء والحميمية، رغم أن بعض اللوحات فيها ضبابية في الخلفيات، إضافة إلى الرمز الشفاف فالقمر والوردة والكأس تشير إلى الأنوثة والبالونات إلى الطفولة.
لمحة عن الفنان
الراحل من مواليد مدينة جبلة عام 1977 تخرج في كلية الفنون الجميلة سنة 1999 وأنهى دراساته العليا قسم التصوير الزيتي عام 2001، عمل مدرساً في معهد الفنون التشكيلية والتطبيقية منذ عام 2002 وتمثل إبداعه الفني الخاص في إطلاقه لما سماه التجربة الدائرية التي تجلت في إقامته عدة معارض فردية.
وشارك الراحل في اتحاد الفنانين التشكيليين ومديرية الفنون الجميلة، أنجز أطول لوحة جدارية في سورية بطول خمسين متراً وارتفاع مترين بعنوان طريق الحرير على جدار السفارة الصينية بدمشق، كما نفذ ثلاث لوحات جدارية في معهد الفنون التشكيلية وفي ثلاث مدارس.
كما حصل على جوائز عديدة بنيله المركز الأول في معرض تحية لشهداء البرلمان في صالة الشعب للفنون الجميلة لعامي 2017 و2018 والجائزة الأولى لليوم العالمي لمكافحة المخدرات.
أعمال الفنان الراحل مقتناة لدى اتحاد الفنانين التشكيليين، خاصة في سورية والعراق ودول في القارتين الشمالية والجنوبية الأميركيتين.