قضايا وآراء

ظاهرة الفقر.. الوجه الآخر للولايات المتحدة

| دينا دخل الله

يبدو أن «الحلم الأميركي» لم يعد وردياً، بل إنه أحياناً يختلط بالكابوس الذي يأخذ شكل الفقر والتشرد، ومن يزر واشنطن فستصيبه الدهشة عندما يرى عدداً لا بأس به من المشردين البيض يفترشون الأرصفة والحدائق ليلاً من دون أن تكترث بهم حكومة أغنى دولة في العالم، أما «أحزمة الفقر»، أي الأحياء العشوائية، فهي منتشرة حول المدن الصناعية مثل ديترويت وشيكاغو.

هذا الكلام لا يستند إلى معلومات من مصادر معادية لأميركا وإنما من مصادر أميركية وبريطانية، وأهم هذه المصادر هو مكتب الإحصاء الفيدرالي وإدارة الصحة، وهي تعادل وزارة، وتؤكد إحصائيات نقلتها الـ«بي بي سي» قبل سنتين أن عدد الفقراء في الولايات المتحدة بلغ 46.5 مليوناً من أصل 332 مليوناً عدد السكان الإجمالي.

وقد أكد مكتب الإحصاء الفيدرالي الأميركي في تقرير شهير له العام الماضي أن نسبة من هم تحت خط الفقر في أميركا بلغت 11.5 بالمئة وأنها وصلت في السنوات الماضية إلى 13.8 بالمئة، ويؤكد المهتمون بظاهرة الفقر في أغنى دولة في العالم، أن نسبة كبيرة من الموظفين والعمال عند الدولة والقطاع الخاص يضطرون للعمل الإضافي يومياً لأن أجورهم لا تكفيهم، علماً أنه في الأسر الأميركية الزوج والزوجة يعملان ليعيلا طفلين أو ثلاثة أطفال، وللمقارنة، فإنه في سورية نسبة العاملين إلى مجموع السكان 24 بالمئة، أي إن ربع الشعب فقط يعيل نفسه مقابل ثلاثة أرباع الشعب.

وتوقع الأميركيون خيراً في عودة الحزب الديمقراطي للسلطة، لكن يبدو أن الحلول التي طرحها الحزب الجمهوري، خاصة أيام الرئيس السابق دونالد ترامب، أكثر جدوى، وسأعرض هنا أهم خطوط البرنامجين الديمقراطي والجمهوري.

البرنامج الديمقراطي يهتم بنتائج الفقر لا بأسبابه، حيث يركز البرنامج على دعم الفئات الشعبية الواسعة عبر توسيع دوائر الرعاية الصحية والمدارس الحكومية المجانية والخدمات الاجتماعية الأخرى، كما ظهر في برنامج الرئيس الأميركي الأسبق أوباما «Obama care »، أما البرنامج الجمهوري فيحاول معالجة أسباب الفقر عبر إيجاد وظائف للفقراء ورفع سعر قوة العمل في السوق الأميركية أي رفع الأجور، وترامب كان الأكثر وضوحاً وتطبيقاً لهذا البرنامج لكن الوقت لم يسعفه.

ويعمل الجمهوريون على تعزيز ما يسمى الانعزالية الجديدة التي تقوم على إعاقة تسرب الرأسمال الاستثماري الأميركي إلى الخارج، فهذا الرأسمال يميل للاستثمار في المكسيك والهند وغيرهما من الدول ذات العمالة الرخيصة، والنتيجة هي اتساع معدل البطالة والفقر في الولايات المتحدة، وقد فرض ترامب رسوماً باهظة على تصدير الرأسمال من أجل إبقائه في الوطن لدرجة أن شركة «فورد» العملاقة لإنتاج السيارات تخلت عن مشروع بناء مصانع في المكسيك ونقلتها إلى ديترويت داخل الولايات المتحدة، إذ إن بقاء الرأسمال في الوطن يعزز الطلب على العمالة فيرفع سعرها، أي يرفع مستوى الأجور ويقلل من نسبة البطالة.

مشكلة فقراء أميركا أنه لا يوجد برنامج وطني دائم ومستقر لمحاربة الفقر تلتزم به الدولة حتى عند تغير الحزب الحاكم، وإنما كل حزب يأتي إلى السلطة يحاول تطبيق رؤيته ثم يأتي الحزب الأخر، وهكذا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن