قضايا وآراء

ثقافة مقاومة العنصرية والاحتلال

| تحسين الحلبي

في 11 شباط الجاري نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية نبأ جاء فيه أن محكمة في لندن قضت بحبس سيدة بريطانية تدعى طاهرة أحمد مدة 11 شهراً في السجن بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية وعمرها 51 سنة، لأنها نشرت على صفحتها في فيسبوك مادة مكتوبة مع شريط فيديو «تتهم فيها اليهود بحرق البرج السكني الكبير غرين فيل في لندن في حزيران عام 2017» والذي راح ضحيته 72 مواطناً بريطانياً، وكانت هذه السيدة قد نشرت بعد أربعة أيام من وقوع الحريق في حزيران من عام 2017 على صفحتها عبارات منها: إن «هذا الحريق من صنع اليهود»، وربطته بالاتهامات التي وجهت لليهود في الولايات المتحدة والعالم بوجود دور إسرائيلي في تفجيرات 11 أيلول عام 2001، ويبدو أن الحركة الصهيونية في بريطانيا سارعت إلى تقديم دعوى جنائية ضد هذه السيدة البريطانية لمحاكمتها بتهمة معاداة السامية، علما أن صحيفة «الغارديان» نقلت ما قالته السيدة طاهرة حين قالت في دفاعها إنها كتبت ذلك على سبيل التحليل السياسي، وإنها كانت ممن تطوع أثناء وقوع الحريق لنجدة جيرانها البريطانيين من سكان البرج الذي شبت فيه النيران، وعملت أربعة أيام في هذا النشاط الإنساني وهي استخلصت ذلك كرأي سياسي، ولم يخفف كل ذلك من مدة الحبس!

وفي تعليق بعض الإسرائيليين على هذا الخبر الذي نشره موقع «روتأر» بالعبرية عن «الغارديان» حملت بعض التعليقات بالعبرية عبارات تطلب من قضاة قوات الاحتلال بمحاكمة مماثلة لكل فلسطيني أو يهودي في إسرائيل يتهم إسرائيل بمثل هذه التهم برغم أن المستوطنين وقواتهم يؤكدون في كل ساعة بأنهم مدانون بأشد أنواع الجرائم العنصرية في كل ما يقومون به من سلب للأراضي ومن اعتقالات الأطفال والنساء، ففي كل يوم وأسبوع تشهد الأراضي المحتلة في القدس والضفة الغربية عمليات حرق ينفذها علناً المستوطنون لأشجار الفلسطينيين في حقولهم، بل في مناسبات أخرى بحرق بيوتهم وأصحاب البيوت في داخلها ليفرضوا عليهم مغادرتها ولكي يسلبوا الأرض ويستوطنوها بدلا منهم، فقبيل مواسم قطف الزيتون والأشجار المثمرة يقوم المستوطنون بحرق ما يمكن من هذه الأشجار أمام أنظار الصحفيين، ولا يجد الفلسطينيون حين يقررون تقديم الدعاوى القضائية على مرتكبي هذه الجرائم الموصوفة، من يستجيب لهم لا في الداخل ولا في الخارج، ولن يكون من المستغرب أن تفرض الحركة الصهيونية والسلطات السياسية في تل أبيب القانون نفسه الذي فرضته في أوروبا وأكدت الالتزام به دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو محاسبة ومحاكمة كل من ينتقد إسرائيل ويتهمها بالأعمال العدوانية والعنصرية ضد شعب كامل في فلسطين وخارج فلسطين بتهمة «معاداة السامية» وهذه التهمة لا تفرض المحاسبة عليها في العالم إلا إسرائيل فقط، فالولايات المتحدة ودول أوروبا لا تضع في مجمل قوانينها محاسبة من ينتقد أو يندد بالاستعمار الفرنسي والبريطاني والحروب الأميركية وما ارتكبته وترتكبه هذه الدول من جرائم حرب ضد الشعوب، ومع ذلك تقبل كل هذه الدول باعتماد ما تعده إسرائيل من عبارات أو نشاطات معادية للاحتلال، تهمة جنائية في قائمة «معاداة السامية».
لو جمعنا كل هذه العبارات وقمنا بمقارنتها بثقافتنا التاريخية والحقائق على الأرض في هذا الصراع العربي – الصهيوني لوجدنا أن إسرائيل تطالب بمحو الثقافة العربية والإسلامية من تراثنا وحاضرنا ومستقبلنا، فبريطانيا هي التي صنعت هذه الحركة الصهيونية العنصرية في منشئها الأول في عام 1841 بموجب وثائق المسؤولين البريطانيين المسجلة والموثقة، ومنها وثائق للورد شافتسبيري واللورد بالميرستون حين دعت إلى استخدام يهود أوروبا ونشرهم في فلسطين لمصلحة الاستعمار البريطاني، وهي لهذا السبب ستظل والغرب يدافعان عن سياسات إسرائيل لمنع كل صوت بريطاني أو يهودي يعارض هذه السياسات فما بالك بأصوات العرب وهم الضحايا في كل ساعة ويوم من الأعمال الجنائية التي يعتمدها الغرب ويمنع تنفيذ ما تستجوبه ضد إسرائيل برغم أن منظمة «أمنستي» التي تعد مؤسسة غربية، كانت قد أدانت نظام الاحتلال الإسرائيلي كنظام عنصري تتطابق جرائمه مع جرائم نظام الأبارتايد العنصري السابق في جنوب إفريقيا، والسؤال المهم أمام هذه الحقيقة هو: هل سيصمت أصحاب الحق وأنصاره من عرب ومسلمين وأحرار في كل العالم على عنصرية إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وهم الذين ساندوا شعب جنوب إفريقيا ضد العنصريين وأسهموا في تحرير جنوب إفريقيا من العنصريين؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن