يعترف المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يوسي يهوشع أن الغارات التي يشنها الجيش الإسرائيلي على الأراضي السورية منذ فترة، أثبتت أنها بلا جدوى ولم تعد تخيفها، ويفسر ذلك قائلاً: إذا كانت إسرائيل تشن غاراتها التكتيكية الحديثة بنوع جديد من الصواريخ الآن، فهذا يعني أن الصواريخ التي استخدمتها سابقاً لم تكن مجدية، وهذا بدوره يعني أن القدرات العسكرية السورية تزداد وتتطلب قوة إسرائيلية أكبر، وهذا ما يؤكد أن هذه الغارات لم تضعف قدرات سورية أو قدرات حلفائها أيضاً.
ويضيف يهوشع: رئيس الأركان أفيف كوخافي لم يستطع خلال خدمته في السنوات الثلاث الماضية إيجاد حل لهذه المعضلة، وكان سلفه الجنرال غادي آيزنكوت قد واجه المعضلة نفسها، وهذا ما يدل على عجز إسرائيل عن تخفيض الأخطار التي تشكلها جبهة الشمال.
أمام هذه الحقيقة أصبحت إسرائيل تواجه معضلة لا تتيح فيها قدراتها وغاراتها التخلص من الجبهات المعادية المتصدية لها، وهذا ما يولد حالة الفزع في صفوفها والخوف من اتساع تحالفات محور المقاومة في المنطقة.
ويسجل التاريخ أن سورية هي التي أسقطت النظرية الإسرائيلية التي أطلقها كل قادتها بعد عقدهم اتفاقية كامب ديفيد مع مصر بأن «لا حروب تهدد إسرائيل بعد الآن» فقد تمكنت سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية من التصدي للجيش الإسرائيلي بعد اجتياحه للبنان عام 1982 وتوج حزب اللـه هذا الانتصار عام 2000 بتحرير جنوبه من قوات الاحتلال وبتحويل الجنوب إلى جبهة حرب ضد إسرائيل ثم ولد ذلك جبهة أخرى ضد إسرائيل من قطاع غزة بعد تحريره من فصائل المقاومة الفلسطينية عام 2005 وأصبح تحالف قوى المقاومة يمتد إلى قوى المقاومة في العراق ويصل إلى طهران، وترجح كفة قوته في المنطقة.
وبفضل هذه القدرات تحول محور المقاومة إلى قوة ردع بدأت قوات الاحتلال والولايات المتحدة نفسها بوضع حسابات له، وأدركت قيادة قوات الاحتلال الإسرائيلية أن أي حرب شاملة لن يكون التصدي لها منحصراً بدور الجيوش النظامية لأطراف محور المقاومة، بل بدور متسع لفصائل قوى المقاومة من حزب اللـه في جنوب لبنان إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.
وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد استغلتا تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 لفرض التسويات لمصلحة إسرائيل في المنطقة، فإن التغيرات التي فرضتها روسيا والصين على الساحة الدولية، بدأت تولد تآكلاً في قدرة الولايات المتحدة على فرض سياساتها في المنطقة، وهو ما نشهده منذ تعاظم دور روسيا الاتحادية والصين في ساحة المنطقة بشكل خاص وفي الساحة العالمية بشكل عام، وفي ظل هذه الظروف بدأت إسرائيل تتقلص قدراتها إلى حد العجز عن فرض سياستها على أطراف محور المقاومة بعد أن لاحظت أن هذه التطورات لن تخدم مصلحتها في مجابهة محور المقاومة الذي فرض وجوده بشكل قوي بعد هزيمته للحرب الكونية الإرهابية عليه خلال السنوات العشر الماضية واستمرار تزايد قدرته على التصدي للمخططات الصهيونية – الأميركية.
المنطقة والعالم ما بعد عام 2022 لن يعودا كما كانا في عام 1991، وكما قواعد النظام الأميركي العالمي الأحادي القطب التي رافقت، لن تعود إلى عام 2011 بعد إحباط الأهداف الأميركية – الصهيونية على يد محور المقاومة في المنطقة وولادة عالم الأقطاب المتعددة في الساحة الدولية.