قضايا وآراء

«ڤار» عراقي!

| أحمد ضيف الله

لمن ليس له أي اهتمام بكرة القدم، نوضح أن الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA أضاف في عام 2018 إلى قوانين لعبة كرة القدم، تقنية التحكيم بمساعدة الفيديو، الـ«ڤار» أي «VAR- Video Assistant Referee»، وهي تقنيّة تقوم على مراجعة حكم المباراة لخطأ ارتكبه أحد الفريقين المتباريين في لحظة ما، باستعادة لقطات فيديوية من المباراة، لاتخاذ القرار المناسب بشأنه، وذلك من أجل القضاء على الجدل والانتقادات التي توجه عادة لقرارات حكام المباريات، ولكن على عكس المتوقع، ازدادت الانتقادات لقرارات الحكام بشأن استخدام هذه التقنية.

الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في العاشر من تشرين الأول الماضي، التي رتب نتائجها مخدم العمليات الانتخابية الرئيس «السيرفر» الموجود في الإمارات، أدت إلى تقسيم القوى السياسية المشاركة فيها إلى فريقين رئيسيين، الأول مكون من: «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«تحالف السيادة» الذي يضم «تقدم» و«عزم» الذي يرأسه خميس الخنجر. والثاني مكون من «الإطار التنسيقي» الذي يضم: «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«قوى الدولة الوطنية» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«العقد الوطني» بزعامة فالح الفياض، إضافة إلى «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل الطالباني، وعدد من المستقلين.

في مباريات الحصول على المناصب الرئيسة الثلاثة أي المجلس النيابي، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، احتج الفريق الثاني على النتائج الانتخابية النهائية، مدعياً أن تلاعباً قد حصل بها، مصدره مخدم الانتخابات في الإمارات «السيرفر»، مقدماً أدلته إلى المحكمة الدستورية العليا، التي أخذت دور الحكم في هذه المباريات، مستعيدة مجريات الوقائع كـ«الڤار»، برفض الاحتجاج، وفي جلسة «الأكفان النيابية» التي جرى فيها تمرير هيئة رئاسة المجلس النيابي، وما حصل بها من اعتداء جسدي على رئيس السن، احتج أيضاً الفريق الثاني، ولكن المحكمة الاتحادية بالعودة إلى «الڤار»، رفضت الاحتجاج، كما رفضت إجراءات الفريق الثاني بهذه الجلسة لاعتباره الكتلة النيابية الأكبر، على أساس أن الجلسة مخصصة للقسم النيابي وانتخاب هيئة رئاسة المجلس، إلا أنها حكمت بعدم جواز ترشيح هوشيار زيباري شقيق والدة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، لمنصب رئاسة الجمهورية، استجابة لشكوى الفريق الثاني بحقه، بعد مراجعة «الڤار» والتأكد من «انعدام شرط الإخلاص للوطن»، وبـ«الفساد وسوء الإدارة وهدر المال العام»، وفق الشكوى.

ومثلما تنتقد عادة قرارات حكام مباريات كرة القدم المتخذة وفق «الڤار»، يتنقد قانونيون قرارات المحكمة الاتحادية بشدة، وخاصة أن المحكمة الاتحادية ذاتها، ولكن بقضاة مختلفين، سبق أن اتخذوا قرارات مغايرة تماماً للحالية في الدورات الانتخابية النيابية السابقة، وخاصة بشأن تحديد الكتلة النيابية الأكبر!

صحيح أن الدستور العراقي الذي قام الحاكم المدني الأميركي للاحتلال في العراق بول بريمر بتلغيم مواده عن عمد، حتى باتت معظم مواده حمالة أوجه، وأرضية خصبة للتناحر والصراع والفرقة، معرضة أمن العراق ووحدة ترابه للخطر، إلا أن ضعف الإرادة والانتهازية لأغلب القوى السياسية العراقية، حالت دون تنظيف مواد الدستور من الألغام هذه، عن عمد أيضاً.

الدور الإيراني والأميركي، وعلى عكس العادة عند تشكيل الحكومات العراقية السابقة، وخصوصاً مثلما حصل عام 2018، اقتصر على مراقبة ومتابعة المباريات بين الفريقين دون تدخل فظ، وباتا بشكل خفي يركضان في نصف الساحة المخصص لهما وكأنهما حكم راية، من دون أن يرفع أياً منهما راية ارتكاب الخطأ، حتى الآن.

إن عدم تدخل أميركا وإيران لا يعني بالضرورة عدم اهتمامهما بما يجري على الساحة السياسية العراقية، ولكن كما يبدو أنهما يتيحان فرصة للقوى السياسية لتنظيم تفاهماتها بعيداً عن تأثيرهما إلى حد ما، لتوفير أجواء الهدوء والنجاح لمباحثاتهما في إعادة الاتفاق النووي الجارية بڤيينا، ولكن عيناهما على الساحة تترقب أي خطوة مباغته، هنا أو هناك.

الخلافات السياسية أمر وراد وطبيعي في أي عملية سياسية، لكن ليس من منطلق فرض سياسة الأمر الواقع، وترهيب الآخرين.

العراقيون اليوم، قلقون من أن تنتقل خشونة اللاعبين داخل الملاعب، إلى قتال جماهيرهما على المدرجات وخارج الملاعب، وباتوا يحبسون أنفاسهم خوفاً من أن تكون نتائج التدافع والصراع على المكاسب، صافرة لبدء مباراة دامية لا تنتهي، وخاصة مع بداية عمليات الاغتيال المتبادلة بين «سرايا السلام» التابعة لـ«التيار الصدري» و«حركة عصائب أهل الحق» في الأيام الأخيرة في محافظة ميسان، واتساعها بمشاركة عشائر المحافظة الموالية للطرفين في النزاع الدامي بينهما.

وعندها لا معنى ولا قيمة، أن يظهر لنا «الڤار» من كان قد بدء القتال وما السبب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن