لعلّكم تتذكرون سورية الجميلة … كان على المثقفين والكتاب أن يطلقوا النفير أمام الحرب الجهنمية على سورية!
| ضحى مهنا
لعلكم تتذكرون سورية قبل الحرب! يوم كانت حاجات المواطن متاحة وفيرة من كهرباء ومازوت وغاز وخبز.. وقد بدأت بهذه الحاجات لأنها حديث الناس اليوم، لعلّكم تتذكرون كيف كانت أسعار الأغذية المختلفة، اسألوا جيران سورية إن كنتم تريدون، فالذاكرة نشطة رغم ألاعيبها، وهذا الماضي لما يبتعد كثيراً، لكنه غاب حين وقعت الحرب على سورية منذ أكثر من عشر سنوات، أعود لأتذكر مع بعض إخوتنا في الوطن التعليم المجاني لكل مواطن في المدارس والجامعات التي انتشرت في شمال الوطن وجنوبه وفي شرقه وغربه، وكان هذا أحلى عندي مما كان في الماضي القريب، لعلّكم تتذكرون الأمان والعيش المشترك.
أقول هذا وأنا أتذكر صورة الطفل المعذب فواز في درعا وسط مجرمين فقدوا إنسانيتهم في فوضى الحرب وتداعياتها التي يعرفها من ذاق ويلاتها.
سأقول ما قلته سابقاً من دون تردد، ضيعانك يا سورية، خسارة، بعد أن غزتْك الغربان الغريبة والقريبة من ثمانين دولة، وساعدها ممّن خضعوا لترويض الضمائر، صحيح أنهم فشلوا.. لكنهم لم ييئسوا ولن يتراجعوا وهم يتنقلون من خطة لأخرى لتحقيق مصالحهم من دون مبالاة بمعاناة السوريين، حتى كاد هؤلاء أن يفقدوا صبرهم لولا وعي بعضهم وإيمانهم، لعلّكم تتذكرون سورية الجميلة، وأعترف بأنها ما كانت تلك الدولة الفاضلة بل وقعت فيها أخطاء وخطايا، وسورية ليست استثناء والجميع يسمع إن أراد، عن أخطاء وخطايا دول أخرى أكثر مما كان في سورية وما نالها ما نال هذا البلد الجميل من ظلم وظلام، وأعود لأسأل كيف كانت الحياة قبل الحرب، مع تلك الأخطاء والخطايا، لأسأل عن الكهرباء، و.. و..
وكان فساد لا يقلّ عن فساد اليوم كما قالوا، لكن الحاجات كانت متوافرة ومتاحة.
إذاً، هي الحرب وهو الحصار وهي العقوبات و.. وما كانت هذه لأجل الإصلاح والحرية، وأعود لأكرر بأن سورية ما كانت استثناء واليوم تظهر تقارير وكتب غربية تفضح المزاعم وتدفع بالحقيقة، وإنْ تأخرت حتى أن وزير دوحة الحرية اعترف بأن ما جرى في سورية كان بتدبير الغريب والقريب، وما كان اعترافه هذا حباً بالحقيقة، إنما نكاية بخصومه من أشقاء وغيرهم. والقصة صارت معروفة ولكن لعلكم تتذكرون، إذاً، ما الذي يمنع نشطاء على ناصية الإنترنيت ممّن يشتمون صباح مساء مسؤولي الكهرباء والمازوت وغيرهم، ما الذي يمنعهم من أن يلعنوا المستعمر الغربي وأذنابه، هيا اشتموهم وليكن الإنترنيت مكاناً للتظاهر ضد هذا المستعمر البغيض، من دون أن تقطعوا الطرقات أو تشعلوا الدواليب.. هيّا افضحوه ولا تبخلوا عليه بشتيمة بذيئة كما تشتمون مسؤولي الكهرباء وغيرها.. هذا المستعمر وأذنابه هو السبب في هذه المحنة الخانقة التي نعاني منها جميعاً فقد سرقوا الخيرات ومنعوها عن أصحابها، وأما المثقفون والكتّاب ممن كانوا يستحقون أن يكونوا قادة الفكر والتنوير، فلهم الريح كما قال الشاعر، ما كان عليهم سوى إطلاق النفير أمام الحرب الجهنمية، لقد سكت بعضهم وتلعثم آخرون أمام ما جرى ويجري، وبقي كثير منهم في لقاءاته بالصحف المعتبرة!! لا يأتون إلاَّ على ذكر الاستبداد والأنظمة المتسلطة والأحزاب المستأثرة، ولا يأتون بكلمة واحدة على أنظمة المستعمر المستبدة بأمر العالم والناهبة لثروات الشعوب، أليس في هذا غرابة وتعجب وحيرة؟!!
لننظر إلى العراق فقد دخله المستعمر منذ 2003 وأطاحوا بالاستبداد، نهبوا كل شيء ودمروا وقتلوا من عارضهم، وما رأى أهل العراق سعة العيش ورفاهيته وهو البلد الغني، وكذلك هو حال ليبيا وتونس وربما سيكون للأسف الحال في دول أخرى، يقول المؤرخون الغربيون وبعض العرب بأن هذه المنطقة من العالم وسورية في وسطها، لن تستقر لأسباب عديدة يعود أحدها لطفلة الغرب المدلّلة.. فالاستقرار عند المستعمر يعني البناء والتطور وما حولهما، إلاَّ من تسلّح منها بالوعي ومناهضة هذه المشاريع الخبيثة، ليس ما نقوله بجديد ولا هو شعارات خشبية أو ذهبية كما يصفها عباقرة التضليل والكذب في وسائل إعلام فقدت رسالتها ومهنيتها أو في وسائل التواصل الذكية، وليس فيما نقوله دفاع عن أحد، إنما ندافع عن حقنا كشعوب يريدون لها أن تذوب وتضمحل في ثقافة تتسلط على البشرية وإنسانيتها، ولا سلاح لهذه سوى الوعي بما تحيكه دول لا خير فيها حتى لشعوبها.
كان ثمة ماض جميل وإنْ خالطتْه الشوائب، لكنه مضى، ومن حق الشعوب ومسؤوليتها أن تستعيد أوطانها وخيراتها بالسبل كافة، ابتداءً بمظاهرات على الإنترنيت وليس انتهاء بالوسائل المعروفة المشروعة.
جميل هو الوفاء وخاصة في الليل.. وما أتى النهار إلاَّ بعد هزيمة الليل وانهياره.