ثقافة وفن

سمر بلبل.. تعيدنا إلى أيام الزمن الجميل من خلال «تعرف»! … عصام شريفي لـ«الوطن»: منذ بداية مشوارنا لم تكن غايتنا تجارة الفن بل الفن بحد ذاته … سمر بلبل لـ«الوطن»: التنوع يضيف ويشكل ويعطي الأغنية فضاءات أرحب

| سارة سلامة- تصوير: «طارق السعدوني»

هي حالة فريدة تشكلت كظاهرة غريبة في أيامنا أن نرى الفن الأصيل يتابع خطه ويمشي بطريق بعيد عن كل الملوثات السمعية التي تغزو عالمنا، ومن باريس لقيت أغنية «تعرف» للفنانة السورية سمر بلبل، النور وهي ألحان زوجها الدكتور عصام شريفي، وكلمات الدكتور هداية مدني، وشارك في تسجيلها عدد من الموسيقيين العرب، وتوزيع المايسترو غابي عضيمي.

ما زال هذا الثنائي للآن يتابع العمل الفني كقضية حقيقية يعملان عليها، يضعان كل الإمكانات لتقديم أغان رفيعة المستوى غير متأثرين بكل الأجواء التي تحمل ضياع الفن لأن الفن ذاته هو ما يعنيهما كرسالة هاربة من أيام أم كلثوم وعبد الحليم ومحمد عبد الوهاب تؤدي سمر بلبل اليوم بصوتها أغنيتها الجديدة «تعرف» بخط مواز للعمالقة فهي بريقها وأناقة صوتها وتهذيب اختياراتها تعطينا أملاً جديداً بأن الطرب والفن الأصيل لا يزالان موجودين.

وجمعت في عملها الجديد مصر وسورية ولبنان كأطراف حقيقيين في هذا العمل فهذه البلدان لطالما اجتمعت على الطرب والفن والأصالة.

موسيقا جدية

وفي اتصال خاص أجرته «جريدة الوطن» مع الفنانة سمر بلبل والموسيقي عصام شريفي أوضحا أهمية هذا العمل والإضافة التي يشكلها في مسيرتهما، حيث كشف شريفي أن: «الأهمية في عملنا الجديد هو الربط بين الماضي والحاضر بأسلوب متطور خاصة أن الناس الآن غير قادرة عل سماع أغنية مدتها ساعة، وهذه نقطة مهمة جداً، لأن هناك قالباً عاماً أن تضغط الأغنية لتكون عبارة عن 5 أو 8 دقائق كأقصى حد، ويفرض علينا أن نقدم موسيقا وكلمات مهمة في هذا الوقت الضيق، وخاصة أن المستمع اليوم لا يملك الوقت الكافي، لذلك نكون مضطرين إلى تقديم موسيقا مكثفة تلفت انتباه السامعين، وأرى أن هذا واجبي تجاه المستمع كي أقنعه بموسيقا جدية وجديرة بالاهتمام وبعيدة في الوقت نفسه عن أي إسراف وأي هبوط بالمستوى الفني».

وعن ظروف إنتاج العمل أوضح شريفي أنه: «لم تكن بهذه السهولة لأننا مقيمان في فرنسا منذ نحو 22 عاماً، وبالغربة قد لا تتوافر كل العناصر التي تلزمنا مثل تأمين الموسيقيين المؤهلين والذين يمتلكون خبرة في التعامل مع مختلف الأغاني الكلاسيكية، في حين هنا نواجه صعوبة في إيجاد موسيقيين يشبهون أعمالنا، كما أن تفشي وباء كورونا كان له تأثير سلبي في تجميد الأعمال والتواصل والسفر، فالعمل هذا جاهز لحناً وأداءً منذ سنة ونصف السنة ولكن كان التحضير والاتفاق عبر الاتصالات ووسائل التواصل، وربما هذا الوقت خدم العمل حتى وصلنا فيه إلى هذا المستوى اللائق، كما أن الظروف المادية ليست بأفضل حال فالعمل من إنتاجي الخاص».

تسطيح العقل البشري

وعن موضوع تسويق الأغاني عبر مواقع التواصل وهل تلقى جمهورها بين شريفي أن: « هناك مؤسسات كبيرة وراء التسويق و(السوشال ميديا) حتى تصل للمجتمعات كلها، وخاصة أن كل المجتمعات بشكل عام تشهد حالة من الهبوط، وهناك مؤسسات تتاجر بذوق الناس وتعمل على تسطيح كل الموضوعات، ونحن بإمكانياتنا نحاول لكن إمكانياتنا لا تكفي، يجب أن تتنبه لهذا الخطر العالمي المؤسسات الثقافية والتلفزيون والراديو ووزارات الثقافة والإعلام التي هي مسؤولة لتضع حداً لهذه الوسائل التي تعمل على تسطيح العقل البشري لذلك لا يهمنا حقيقة الانتشار عبرها لأنها تقدم محتوى موجهاً وغير جديّ في أغلب الأحيان».

سنوات طويلة مرت وما زالت سمر تعمل على نشر عبق الطرب الأصيل في هذا العصر، يقول شريفي إن: «هذا واجبنا لأننا لم نغير أبداً مستوى الحرص على أن يكون كل عمل نقدمه بأرقى الإمكانات ليكون بأعلى المستويات، ونحن نعتبر أن أي هبوط بعمل نقدمه هو هبوط لنا كأشخاص لذلك لا نتسامح في هذا الموضوع، ونحاول أن نبقى دائماً بالمستوى الذي عرفتنا فيه الناس، ومنذ بداية مشوارنا لم تكن غايتنا تجارة الفن بل كانت غايتنا الفن بحد ذاته».

وعن إذا ما زالت هذه الأغاني تجد مكاناً للسمع في ظل انتشار الأغاني الهابطة يفيد شريفي: «نحن اليوم بمرحلة هبوط لم يعد هناك عمق ولا يمكن أن نلوم المستمع لأنه ليس هو من يختار الفنان بل الفنان هو من يفرض عليه بطرق مختلفة، ونحن عندما نضع أمام أذن المستمع أغنية ليلاً نهاراً تتكرر ونحجب عنه أي مصدر آخر للفن الحقيقي، لذلك فإن اليوم الجيل الجديد لا يعرف كيف كانت موسيقانا قبل ذلك لأن وسائل التواصل للأسف أصبحت مليئة بالأغاني الهابطة، ونحن اليوم نعمل على إعادة الفن الأصيل عبر منافذ أخرى تصل للمستمع الذي يعرف دائماً أن يميز بين الهابط والجيد والعالي المستوى».

حالة عاطفية وجدانية

وعما يميز هذا العمل الذي جمع كلاً من مصر ولبنان وسورية أوضح شريفي أنه: «يتميز بالقدرة على التفاهم بين أرجاء هذه البقعة الجغرافية لأنه وكما نعلم أن هذه البلدان الثلاثة إضافة للبلدان العربية المجاورة تعرف بعضها جيداً فنياً، وربينا على أصوات وموسيقا العمالقة لذلك أحببنا أن نرجع ونعيد التجربة، وكانت البداية بتواصل الدكتور هداية مدني شاعرنا الكبير من مصر والذي اقترح علينا أن نقدم عملاً مشتركاً وبدأت الأمور تتطور حتى أنجزنا العمل، فالكلمات تعبر عن حالة عاطفية وجدانية وتتطور القصيدة بشكل رشيق بجمل رشيقة وجميلة وذات موسيقا داخلية سهلة وننتقل إلى اللحن الذي حمل إيقاعات مختلفة واستخدم المقامات الموسيقية والتقنيات الصوتية المختلفة حتى يلفت انتباه المستمع الذي يعيش زمن الأغنية السريعة، كما أن سمر استخدمت كل طاقاتها الصوتية إن كان بالموسيقا العربية الكلاسيكية، أو من خلال دراستها للغناء الأوبرالي حيث استخدمته من خلال جمل شرقية وهذا ما ميز العمل عن الأعمال العربية التي استخدم فيها الصوت الأوبرالي حيث كان يستخدم هذا الصوت بشكل يشبه الاستخدام الغربي لكن هنا استخدام شرقي بحت».

ماذا تحضرون من جديد وهل هناك عودة قريبة للوطن، أشار شريفي إلى أن: «الوطن يسكن بداخلنا في كل لحظة وطال الفراق إلى سنتين ونصف السنة بسبب جائحة كورونا، ومن خلال منبركم سأوجه رسالة للسيدة وزيرة الثقافة السورية بأننا متعطشين للمجيء والعمل في سورية وقريباً سأتواصل مع السيدة الوزيرة لنحاول أن نقيم حفلاً ولدي فكرة أريد أن أعرضها عليها وهي إقامة حفلتين الأولى في دار الأوبرا بدمشق والأخرى في مدينة حلب على أمل أن نلقى الدعم الكافي لإقامتهما».

فضاءات أرحب

بينما عن تأدية عمل سوري لبناني مصري تقول سمر بلبل في حديث خاص لـ«الوطن» أنه: «على اعتبار أني أغني باللهجة المصرية أول الأمر ترددت قليلاً لكن الفكرة أحببتها جداً لأنها اللهجة المحببة لقلبي منذ أن كنت طفلة وهي مرتبطة بما كنت أسمع بطفولتي من أعمال العمالقة وكبرت وأنا أسمعهم وأغني لهم، ومع بداية الحرب على سورية لم أغن في أوروبا وفرنسا بالحفلات غير باللهجة السورية، وأضع برنامجاً سورياً بامتياز حتى سرياني يعني بين سوري سرياني وهذا قرار أخذناه معاً أنا وعصام لم أستطع أن أغني غير سوري، لكن من بعد ما بدأ بلدي يتعافى والشكر لله وعدنا للغناء في سورية، رجعت أغني غير سوري والشيء المميز بهذا العمل أن كل الذي شارك به كان مندفعاً وسعيداً بهذه المشاركة بمن فيهم مهندس الصوت الفرنسي، كل هذا التنوع يضيف ويشكل ويعطي للأغنية فضاءات وأجواء أرحب».

زيارة ومحبة من دمشق

وفي لقاء سابق مع ثنائي صوت الشرق حيث التقتهما «الوطن» في مكان إقامتهما وسألنا عن سرّ دموع بلبل مع بداية حفلها في دار الأوبرا السورية، فقالت: «لأننا نأتي إلى بلدنا محملين بشغف كبير حيث حرمنا أكثر من عام وطء أرض سورية بسبب الحرب والدمار، وكنت أحزن جداً على بلدي وأقول هل من الممكن أن أعود وأغني مجدداً على خشبة مسرح فيه، لأنه لا توجد أي حفلة أو خشبة في العالم تغنيني عن خشبة بلدي».

كما سألناهما عن دورهما في إعادة عبق الفن الأصيل وانتشاره في الجيل الجديد، فأجابت بلبل: «نحن نساهم في جزء من ذلك والموضوع كبير ويحتاج إلى أدوات في الوقت الذي تسيطر فيه التكنولوجيا على الإعلام الرسمي وغير الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي شاركت في هدم بلدان على الأقل من الناحية الثقافية، ودورنا يكون في تقديم المادة الحقيقية.

حيث استخدمت المؤسسات الرأسمالية والاقتصادية في ثلاثة عقود فائتة أدواتها في تكريس الفن الهابط عبر برامج تمييع الشعوب وتسطيحها من دون رقيب، وهذا يتطلب منا وعياً حقيقياً بخطورة ذلك من الناحية الاجتماعية والقيام بخطة مضادة وخاصة في بلدنا الذي عانى حرباً كونية»، وعما إذا ما ظلما نفسيهما في الإقامة خارجاً، وخسرا الانتشار في بلدهما، أوضح شريفي أنه: «في كل مرة كنا نأتي إلى سورية نكتشف أننا معروفان ولكن عند طبقة معينة قد تكون المثقفة أو نستطيع أن نطلق عليها اسم النخبة، ولكن ذلك لا يعني أننا مجهولان ولكن بالنسبة لعامة الشعب فأعتقد أننا لم نصل إلى جميع الشرائح باستثناء مدينتنا حمص التي كبرتنا، ونحن إذ أتينا إلى بلدنا وقدمنا نشاطاً رغم مخاوف الحرب ألا نستحق تقديم الوسائل التي هي من حق كل فنان أن يروج له على الأقل حتى يقدم حفلة مكتملة العناصر، وللأسف الحالة الإعلامية كانت شبه غائبة عن حفلنا وقمنا نحن بشكل شخصي بإعلام أصدقائنا الصحفيين، ومشكورة جهود التلفزيون السوري الذي استقبلنا في حوار خاص ولكن لم يأت ذلك بنتيجة لأن الحفلة تحتاج إلى شريط إعلاني، ونتمنى أن يعود الإعلان عن النشاط الشهري لدار الأوبرا كما كان سابقاً على التلفزيون».

وعن التفاعل في أوروبا مع الطرب الشرقي كشف شريفي أن: «طريقة السماع عند الجمهور الأوروبي مختلفة تماماً عن طريقة السماع لدينا لأنهم شعب بارد، على حين في حفل دمشق شعرت أنني أغني في أذن كل شخص بالصالة، وكانوا يقولون لنا دائماً إن الجمهور الأوروبي لا يصفق بين الفقرات ولكن لا توجد مرة أنهينا فيها الأغنية إلا وانتزعنا صفقة من الجمهور أي استطعنا كسر عاداتهم بعقر دارهم».

أما عن مزج الموسيقا الغربية مع الشرقية في أوروبا، فأوضح شريفي أنه: «لدينا الكثير من التجارب والخلط وكل شيء نفعله يكون له هدف من ورائه ولا توجد حفلة نتفق عليها أو عقد نبرمه إلا ويكون من تنفيذه هذا جديد، لنبين من نحن وإلى أي بلد ننتمي، واكتشفنا أن ما يمثل الموسيقا الشرقية عند الفرنسيين هو الشاب مامي أو فضيل اللذان صورا الموسيقا الشرقية بأدنى درجاتها وأساءا لموسيقا تونس والمغرب، هذا المزج الذي يحمل وراءه الكسب المادي لذلك نحن تمسكنا بتقديم الموسيقا الشرقية من دون أي مزج».

بروفايل

يذكر أن سمر بلبل ابنة الكاتب المسرحي فرحان بلبل تتلمذت على يديه في مسرح الأطفال عبر غنائها لمجموعة من أغاني الصغار لتغني في سن مبكرة لكبار المطربين والمطربات وعلى رأسهم أم كلثوم ثم تدرس الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقا قبل أن تغادر إلى فرنسا لتتابع دراستها هناك عام 1998 وتحصل على دبلوم الدراسات العليا في الغناء الكلاسيكي ثم تتابع مع زوجها الدكتور شريفي رسالتهما المشتركة في نشر الموسيقا العربية الكلاسيكية المجهولة بالنسبة للمجتمع الأوروبي من خلال أمسياتهما الموسيقية والغنائية في العديد من المدن الفرنسية والأوروبية.

أما عصام شريفي فهو طبيب جراح نشأ في بيت موسيقي حيث امتلك والده أحمد واحدة من أهم المكتبات الموسيقية والغنائية في الوطن العربي وبدأ التعلم على آلة الكمان حسب الأصول الكلاسيكية في السابعة من عمره وتحول في سن الـ 16 إلى العزف على آلة العود وبدأ التلحين في سن الـ 23 مستوحياً بداياته من المدرسة الكلاسيكية العربية متمسكاً بمتابعة هذا النهج في التأليف الموسيقي ليشكل فرقة «موسيقا الشرق» عام 1989 في مدينة حمص معتمداً على مجموعة من الموسيقيين الهواة والملتزمين على رأسهم الفنانة بلبل التي اختارها لغناء ألحانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن