ثقافة وفن

«وثيقة شرف» دراما ينقصها لفت النظر

| خلدون عليا

لا تشكل مسلسلات المنصات حالة عابرة في الدراما العربية والعالمية، بل أصبحت الشكل الجديد والمكرس للدراما وإذا كان لا بد للدراما السورية أن تواكب التطورات الكبيرة في هذه الصناعة فإنه من الواجب عليها أن تكرس حضورها في دراما المنصات بتقنيات عالية وحضور قوي على مختلف صعد الصناعة الدرامية بدءاً من النص إلى الإنتاج والفنيين والإخراج وصولاً إلى التسويق.

وفي هذا السياق انتهى قبل مدة عرض المسلسل القصير «وثيقة شرف» للمخرج باسم السلكا والكاتبين عثمان جحى ومؤيد النابلسي عبر منصة «وياك» وهو التجربة السورية الخالصة في هذا السياق.

القدرة على التكثيف

بالطبع يكمن تميز المسلسلات القصيرة في قدرتها على التكثيف والالتزام بالترابط الحكائي الذي يغنيه أداء الممثل في تطوير ظهور الشخصيات على هيئة بشر من لحم ودم.

في مسلسل «وثيقة شرف» بدا الإخراج غير قادر على مواكبة الحكاية فكان كلاسيكياً بطريقة مباشرة جداً لا تجديد فيه ولا إبهار بصرياً وحتى الصورة والشكل الجمالي لم يكونا بالمستوى المطلوب فكانت الكلاسيكية المفرطة لا تقارب حكاية تجري في الوقت الحالي وكأن العمل ينقل أحداثاً تجري في السبعينيات والثمانينيات.

وعلى الرغم من أن إدارة التصوير والإضاءة تسلمها واحد من أمهر العاملين بهذه المهنة فإن التصور العام والتلوين وغيرهما يبقيان بيد المخرج الذي بيده وضع الخيار النهائي للصورة وهو ربما اقتراح جاء بهدف التميز بصورة كلاسيكية مفرطة لكنه للأسف لم يقدم الإضافة المطلوبة على صعيد الإبهار وهو ما نشاهده في أغلب أعمال المنصات.

البطل الشعبي

بالمقابل كان واضحاً أننا أمام دور مكرر للنجم السوري مهيار خضور، فلا اختلاف عن دوره في «شارع شيكاغو» ذاك البطل الشعبي قاهر الصعاب والقادر على مواجهتها مهما كانت الظروف وإن اختلفت تفاصيل الحكاية بين العملين إلا أن الشكل العام للشخصية وتركيبها العام يتشابه إلى حد بعيد وإذا كان مهيار قد برع في أداء الشخصية وتمكن من مفرداتها وتفاصيلها على صعيد الشكل والتكنيك وتقنيات الأداء لهذا النوع من الشخصيات إلا أنها لم تجلب له التنوع المطلوب والغنى الذي يبحث عنه الممثل، بالمقابل تبدو الخيارات أمام الممثل السوري محدودة لجهة التنويع حيث بات لزاماً عليه أن يبحث عن التنويع في المفردات البنائية لشخصية الممثل حتى إن تشابه الشكل العام للشخصيات بين مسلسل وآخر.

وكان لافتاً حضور النجم السوري فادي صبيح بشخصية زعيم المافيا فقدمها بطريقة مميزة ولكن ما هو ليس بالمقبول أن يكون شعر ومكياج شخصية درامية في عام 2022 بهذا المستوى من البدائية فبدا كأننا نشهد شعراً مستعاراً لعمل في التسعينيات وهو ما لم نجد له مبرراً واحداً مقنعاً على الأقل.

تفرّد الأداء

حضور عدد كبير من النجوم أعطى العمل زخماً مميزاً وهي نقطة تحسب لصناعة الدراما فكان سلوم حداد كعادته مغناطيساً مميزاً بقدرته على إعطاء الشخصية حقها على الرغم من دوره المحدود بينما تبدو أمل عرفة حاضرة بقدرتها على لفت النظر مهما كان حجم حضورها، فممثلة بقيمة أمل عرفة تتكئ على تاريخ يجعلها تلعب بسهولة في مضامير ضيقة فتحولها إلى ردهات واسعة بقدرتها على ضبط أدائها بتيمات لا تملكها إلا من يحتمين بموهبة متفردة.

ويبدو حضور عدد من الممثلين جيداً وفي مقدمتهم الشاب هافال حمدي الذي يثبت مرة تلو أخرى أنه يستحق الرهان عليه لقدرته على تقديم نفسه بصورة مختلفة وكذلك الأمر بالنسبة لمديحة كنيفاتي التي قدمت أفضل ما يمكن تقديمه بهذا النوع من الأدوار وابتعدت عن أدوار أمسكت بها فترة طويلة، أما لجين إسماعيل فهو على الرغم من تقديمه أداءً جيداً إلا أنه يعاني من رتابة واضحة في الأداء بعيداً عن البحث عن حلول مختلفة فلم يكن مقنعاً في شخصية المتدين بل كان ضائعاً بين شكلها العام وتفاصيلها الداخلية.

أدوار معادة

في حين يبدو فاتح سلمان باحثاً عن حضور مختلف في كل عمل يقدمه وإن كان لزاماً عليه الابتعاد عن شخصية ضابط الشرطة التي قدمها الموسم الماضي في «خريف العشاق» على حين كان من الممكن أن يتم تقديم مشهد وداعه لوالده بصورة أكثر حميمية أو أكثر تراجيدية فوداع الأب لا يتم بهذه الصورة الكلاسيكية على الأقل في لحظاته الأولى ولكن بالمجمل يبدو فاتح مصمماً على تقديم نفسه بصورة الباحث عن التميز والحضور كشغوف بكل تجربة لا مجرد ممتهن لمهنة كغيرها من المهن.

بالمقابل لا تجد نظلي الرواس صعوبة في أداء هذا النوع من الشخصيات ولكن لمَ الإصرار دائماً على تقديمها بشخصية تحاكي القوة الخارجية والضعف الداخلي، هو سؤال ربما تحتاج الإجابة عنه إلى وقفة مختلفة ومع ذلك بدت نظلي كأنها تقدم دوراً اعتادت على أدائه فلم تقدم فيه الجديد ولم تضف إليه نكهة خاصة وإن كان الأداء بالمجمل جيداً ولكن ما هو منتظر من نظلي أكثر من ذلك بكثير.

بالمجمل يتحمل المخرج بصورة أكبر مسؤولية التركيز على استنهاض قدرات الممثلين والخوض في الكشف عن جوانب جديدة في أدائهم وهو ما نجح به باسم السلكا في جوانب ولم يكن موفقاً في جوانب أخرى.

النص والغاية

أما على صعيد النص وإن كان يبدو متماسكاً إلى حد مقبول وقفلته كانت مختلفة وغير متوقعة فإنه جاء ببعض مفاصله كأنه تجميع لخطوط درامية متباعدة لتشكل مسلسلاً واحداً فلم نعرف إن كان التركيز على الحكاية العامة أو على حكاية كل شخص من الأصدقاء الأربعة أم على الاثنتين معاً وإن كان البحث عن نهاية غير متوقعة مفتاحاً لجزء جديد فإن تفاصيل الحكاية وعلاقات الشخوص ومساراتها خلال العمل لم تكن توحي أو تدل أو تقترب من النهاية فهل كان البحث عن نهاية غير متوقعة أكثر من البحث عن ترابط درامي يقود إلى نهاية غير متوقعة؟!

بالمجمل تبدو التجربة جيدة كمقدمة لدراما المنصات في سورية وإن كان الزخم الإنتاجي واضحاً فإنه من الأجدى وقياساً لتجارب كثيرة أن يتم الاعتماد على خلطة خاصة بهذا النوع من الأعمال أثبت نجاحاً كبيراً في العديد من الأعمال وهذا لا يعني أن تكون كل أعمالها متشابهة، بل على العكس هناك نوع من البهارات قد يغير مذاق بعض المأكولات ويحولها من عادية إلى مميزة تلفت النظر، ولعل أهم ما كان ينقص «وثيقة شرف» هو لفت النظر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن