قضايا وآراء

انفجار لغم دستوري في إقليم كردستان

| أحمد ضيف الله

بعد عشر سنوات من التقاضي داخل أروقة المحكمة، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا العراقية في الـ15 من شباط 2022، أن «قيام حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط وتصديره يخالف أحكام المواد الدستورية»، مقررة في قرار قضائي مطول صدر بالأغلبية بمخالفة العضوين الكرديين فقط، الحكم بـ«عدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة إقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007، وإلغائه» لمخالفته أحكام مواد دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وإلزام الإقليم «بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط منها، إلى الحكومة الاتحادية، المتمثلة بوزارة النفط الاتحادية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره»، مانحة وزارة النفط الاتحادية «الحق بمتابعة بطلان التعاقدات النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الأطراف الخارجية دولاً وشركات بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه»، ملزمة حكومة إقليم كردستان بـ«تمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمراجعة جميع العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة إقليم كردستان من جرائها».

قرار المحكمة الاتحادية، استند إلى الدعوتين، الأولى المقامة باسم وزير النفط الأسبق عبد الكريم لعيبي ضد وزير الثروات الطبيعية في إقليم كردستان عام 2012، والثانية المقدمة من عضو مجلس محافظة البصرة السابق علي شداد الفارس عام 2019، بحق تجاوزات الإقليم النفطية.

قرار أعلى سلطة قضائية في العراق البات والملزم لحكومة إقليم كردستان، وغير القابل للطعن، أثار غضب واستياء ورفض القيادات الكردية الحاكمة في الإقليم، حيث هاجمت رئاسة الإقليم وحكومته والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، القرار، واعتبرته سياسياً بحتاً، الهدف منه «معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق»، وهو «جائر وغير الدستوري»، و«غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع»، و«يستند إلى قوانين النظام البعثي السابق»، مؤكدة أن الإقليم «سيدافع بكل ما أوتي من قوة عن حقوقه الدستورية».

بالمقابل، مثل القرار مفاجأة للقوى السياسية المناوئة لسياسة التفرد التي ينتهجها الإقليم في استثمار حقول النفط العراقية، وبيعه بأسعار أقل بكثير من المعتاد، التي رحبت في بيانات لها بالقرار، بما فيها قوى كردية مؤثرة كحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة الجيل الجديد، وكتلة «جماعة العدل ‏الكردستانية» النيابية، وأكثر من 50 شخصية ثقافية وسياسية وأكاديمية وصحافية كردية، الذين اعتبروا أن القرار لا يستهدف أبناء إقليم كردستان، الذين «يرحبون بهذا القرار ويتمنون أن يكون في مصلحتهم لتحسين معيشتهم»، بل يستهدف «حكم العوائل والأحزاب»، وإن دعت في بياناتها إلى «عدم الإضرار بحقوق الشعب الكردستاني».

المحكمة الاتحادية العليا عاودت في الـ17 من شباط الجاري، بعد موجة الرفض الكردية، بإصدار بيان توضيحي بشأن قرارها، مشيرة فيه إلى أن «هناك قراراً صادراً من إحدى محاكم الولايات المتحدة الأميركية بناءً على دعوى من المدعي وزارة النفط العراقية والمدعى عليه وزارة الثروات الطبيعية لحكومة إقليم كردستان»، بشأن شحنة نفط كانت الحكومة العراقية تلاحق تهريبها، حيث أصدرت محكمة الاستئناف الأميركية في 21 كانون الأول 2015 الدائرة الخامسة، قراراً برد استئناف حكومة الإقليم لـ«إقرارها الطوعي بتفريغ الشحنة في إسرائيل»!

صادرات الإقليم النفطية كانت موضوع خلاف دائم ومتكرر على مدى السنوات الماضية مع بغداد، فالعراق الذي يصدر نحو 3.5 ملايين برميل يومياً، يعد ثاني أكبر بلد مصدر للنفط في منظمة «أوبك»، وإقليم كردستان الذي يتجاوز إنتاجه اليومي 400 ألف برميل يومياً، كان قد تعهد مراراً بتسليم الحكومة الاتحادية 250 ألف برميل من إنتاجه اليومي مقابل حصوله على رواتب موظفيه، من دون أن يفي بتعهداته، رغم التزام حكومة المركز بتسليم رواتب الإقليم.

القيادات العائلية الكردية في إقليم كردستان الذين لهم رؤى انفصالية، لم يلتزموا مرة واحدة بالدستور ولا بالقوانين العراقية، وبالتالي من غير المتوقع أن ترضخ حكومة الإقليم لحُكم المحكمة الاتحادية، وخاصة أن تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية على أرض الواقع شيء صعب بحسب الواقع السياسي العراقي السائد، إلا أن صدور الحُكم في حدّ ذاته، يكتسي أهمية بالغة، لكونه يضع إقليم كردستان في خانة الخروج على القانون.

إن رفض الإقليم تطبيق قرار المحكمة الاتحادية، هو تحدٍ علني لتنفيذ بنود الدستور العراقي الذي ساهموا في زرع أغلب ألغامه، ما سيعمِّق الانسداد السياسي الحاصل، ويدخل تحالفاتها النيابية في حالة تشظٍّ، وربما يعطل مسارات محادثات تشكيل «حكومة الأغلبية» التي تتطلب تحالف قوى «ضد التطبيع»، مع من يتعامل ويبيع النفط إلى إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن