قضايا وآراء

الحرب الإسرائيلية على مؤسسات الأمم المتحدة

| تحسين الحلبي

في 17 شباط الجاري أبلغت حكومة الاحتلال الإسرائيلي منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في مقرها بجنيف أنها «لن تسمح لأي لجنة أممية رسمية بالدخول إلى إسرائيل للتحقيق مع سلطاتها»، وكانت تل أبيب ترد بذلك على طلب تقدمت به اللجنة لكي تجري تحقيقاً حول جرائم حرب ارتكبتها قوات الاحتلال ومؤسسات رسمية أمنية ضد الفلسطينيين في عدوان أيار عام 2021، وجاء في نص الرفض الإسرائيلي بموجب ما نشره موقع الأخبار الإسرائيلي «وإلا» في 17 شباط الجاري: «إن أعضاء لجنة التحقيق منحازون للعرب ومواقفهم معادية لإسرائيل ولن نسمح لهم بدخول البلاد»، وبدا مما نشره موقع «وإلا» أن النص الذي أرسلته منظمة الأمم المتحدة لتل أبيب أثار مخاوف إسرائيلية كثيرة لأنه تضمن أن: «هذه اللجنة لها صلاحية التحقيق في كل ما جرى في أيار في الأراضي المحتلة وفي قطاع غزة وفي جذور النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين».

رئيسة لجنة التحقيق في منظمة حقوق الإنسان السيدة نافي فيلائي كانت قد أبلغت سلطات الاحتلال في 29 كانون الأول 2021 «بضرورة التعاون مع اللجنة وتسهيل عمل الأمم المتحدة»، لكن المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية تزايد خوفهم من أن تُعد هذه اللجنة قراراً يدين إسرائيل باتباع نظام أبارتايد عنصري ضد سبعة ملايين فلسطيني يقيمون في فلسطين المحتلة عام 1948 وفي الضفة الغربية والقدس وفي قطاع غزة المحاصر.
ولذلك رأت وزارة الخارجية في تل أبيب أن قرارا كهذا سيتيح لمنظمات وأحزاب أوروبية كثيرة في أوروبا وفي الولايات المتحدة فرصة يستندون فيها إليه ويقدمون بذلك مساعدة للفلسطينيين والعرب للعمل على نزع الشرعية عن هذا الكيان، كما يخشى المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية من أن تولد حملة إدانة إسرائيل بالأبارتايد، صعوبات للدفاع عن إسرائيل لدى الدول والحكومات الأوروبية والولايات المتحدة.
ونشر موقع «وإلا» الإسرائيلي قبل أسابيع، أن الحكومة الإسرائيلية أعدت حملة لشيطنة أعضاء اللجنة التي ستتولى ملف هذه القضية منذ استلامها لدعوة التعاون مع منظمة حقوق الإنسان الأممية، بل وضعت هذا الهدف في أولوية جدول عملها ضد الأمم المتحدة.
لقد اعتادت الحركة الصهيونية ومؤسساتها في الكيان الإسرائيلي على اتهام كل من يوجه تهمة العنصرية إلى النظام الإسرائيلي بمعاداة السامية وتحريض الدول المتحالفة مع هذا الكيان بتوجيه الاتهام نفسه، بل إن عدداً من الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة فرضت في قوانينها محاكمة كل من يتهم بمعاداة السامية، ولم يكن من المستغرب أن تقوم سفيرة تل أبيب في جنيف ميراف ايلون شاحار باتهام رئيسة اللجنة فيلائي بإعداد جدول عمل معاد لإسرائيل وبأنها أطلقت في الماضي تصريحات وصفت فيها إسرائيل بالنظام العنصري المطابق لنظام المستوطنين البيض في جنوب إفريقيا قبل تحريرهم، وبأنها دعت إلى ضرورة مقاطعة إسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك قامت باتهام عضو آخر باللجنة وهو ميلون كوثري بأنه استخدم عبارة التطهير الإثني والمذبحة، في وصفه للأعمال التي تقوم بها قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة.
يبدو أن الحركة الصهيونية وإسرائيل تجمعان في أرشيفهما كل ما جاء من تصريحات أطلقها مسؤولون ونشطاء في العالم ضد الاحتلال وعنصرية الكيان الإسرائيلي لمساءلة أصحابها في الوقت المناسب، وهي بذلك تشن حملات حرب على كل العالم وسكانه وليس على منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة فقط، ويساعدها في هذه الحملات الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية التي صنعت إسرائيل وحركتها الصهيونية في قلب هذا العالم العربي وما تزال تدعم سياساتها التوسعية ضد كل شعب ودولة فيه.
في واقع الأمر لا يخفي الغرب وكذلك كيانه الإسرائيلي في المنطقة، مخاوفه من تآكل هذا الكيان وتدهور قدراته على المحافظة على بقاء نظامه العنصري الغاصب للأراضي العربية، فمعظم مراكز الأبحاث الدولية بدأت تناقش موضوع مستقبل استمراره وتشكك في بقائه بعد أن أصبح عدد المستوطنين المغادريــن منه يزيد أضعافاً هائلة على عدد من «يهاجــر» إليــه، ولذلك بدأ ميزان القوة فيه يختل كثيراً لمصلحة أصحاب الأرض والحقوق بفضل الصمود والمقاومة التي تمسكوا بها في فلسطين والجولان المحتل، وبفضل مساندة قوى محور المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن