ثقافة وفن

صراع الهوية في العلاقات الدولية … غالباً ما تنتهي العلاقات بين الدول بالقوة العسكرية التي تعبر عن السياسة!

| عبد الهادي الدعاس

كتاب جديد صدر عن وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب، تحت عنوان: «صراع الهوية في العلاقات الدولية»، بيَّن خلاله الدكتور جاسم محمد زكريا، أن زمننا هو زمن الأخطار والآمال، وأننا نواجه مخاطر كونية كبرى في مجالات أساسية متعددة، لم يسبق للإنسانية أن حازت هذا القدر من القدرة على الهدم، ولم يسبق لها أن امتلكت مثل هذه القوة لبناء مستقبلها، مشيراً إلى أن الصعوبات تتزايد والمبادرات تتعدد من أجل جعل العالم أكثر إنسانية.

ولفت الدكتور زكريا إلى أن الكم الهائل من المتناقضات التي تجتمع في قضية القوة مفهوماً وغايةً، تلويحاً أو تسويغاً، لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة وجامعة في هذا الأمر، والقوة هي التعبير الأكثر فاعلية ومباشرة، لذلك هي الأكثر استخداماً، لافتاً إلى أن القوة هي مجموعة الآليات بأبعادها والوسائل المادية والمعنوية المختلفة، مبيناً أنه عندما نتحدث في العلاقات الدولية، إلى القوة بمفرداتها المختلفة، غالباً ما ينتهي الأمر بالقوة العسكرية، لأن القوة هنا تعبر عن السياسة.

وأشار زكريا في كتابه إلى أن كثيراً من المفكرين الغربيين يذهبون ويقولون إن القانون الدولي، كله صناعة غربية، كما أن الدولة اختراع غربي محض، وإن كثيراً من الحقائق التاريخية التي كشفوها وهمٌ، إذ درسوا الرقم التاريخية في مواطن كثيرة، بينها الوطن العربي، وإن الدلائل تشير إلى أن الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية بصورها الأولى وجدت في بلاد الرافدين، واشتهرت بها دول مصر القديمة في علاقاتها في تلك الفترة المبكرة من التاريخ.

ما العلاقة بين الفلسفة والمجتمع الدولي؟

بالفصل الأول من الكتاب تحت عنوان: «ما العلاقة بين الفلسفة والمجتمع الدولي» تطرق الدكتور زكريا فيه إلى قضية اختلاف المفاهيم التي تشكل إشكاليةً حقيقية في إطار الاختلاف والتنوع بين الحضارات والفلسفات لدى الأمم، لذلك فإن توحيد المفاهيم أسطورة قلَّ أن ترويها أساطير الأدب، أو يزعمها أساطين الفلسفة، لذلك ظلت بعيدة وكأنها غد مأمول.

وأشار إلى أن موضوع الفلسفة والتحولات العالمية اختيار محدد في المعالجة، ضمن اختيارات عديدة ممكنة، فقد ينصب هذا الاختيار على المقارنة بين مسارات الفلسفة، تاريخها وتطورها، ومسار التحولات العالمية، وإن تحليلاً كهذا، يسعى إلى الإجابة عن مدى إمكان قراءة التحولات العالمية بالعدة الميتودولوجية نفسها التي نقرأ بها مسارات الفلسفة.

القانون وفكرة القانون الطبيعي

بينما بالفصل الثاني من الكتاب تحدث زكريا عن «القانون وفكرة القانون الطبيعي»، لافتاً إلى أن الروابط والعلاقات المتعددة لا تترك الإنسان حراً يفعل ما يشاء، وإنما تدفعه للالتزام طوعاً أو قسراً بمجموعة من القيود، سواء لمصلحة غيره من الأفراد أم لمصلحة المجموعة أو الدولة، ومن القيود التي تفرض على سلوك الإنسان قيود مبعثها قواعد الدين والأخلاق والعادات.

وبيَّن زكريا، أنه من أجل ذلك تنهض قواعد القانون المحمية بمعطياتها لتفرض التزامات محددة مقرونة بجزاءات معلومة تقع على كل من يخالفها، لذلك فإن القانون يشكل ضمانة مباشرة وفعالة تؤمن استقراراً واستمراراً للنظام الاجتماعي وفقاً للنظام السياسي العام لكل دولة أو جماعة أو مجموعة.

الحضارة والدولة من يصنع الآخر

بفصله الثالث ركز زكريا على أن «الحضارة والدولة من يصنع الآخر» مشيراً إلى أنه على الرغم من تقدم وكثرة الدراسات والبحوث التي اهتمت بموضوع الحضارة في القرن العشرين، هذا المفهوم لا يزال يتضمن معنيين، فقد يعني فكرة التقدم البشري بصفة عامة، وقد يعني طريقة من طرائق العيش في مجال جغرافي محدد، كما أن فكرة الحضارة لا تنحصر في مضمون تمثيلي، فهي تتضمن كذلك مضموناً قيمياً بتوجه أخلاقي يسمح للناس بخلق مسوغات لتفضيل جانب ما في الحياة البشرية عن جوانبها الأخرى، لذلك ظل الإنسان بل للعقل القدح المعلى في بناء وبنية الحضارة.

موضحاً أن مفهوم الحضارة تختلف دلالته حالياً باختلاف الدول والمدارس والحقول المعرفية التي توظفه، لذا نجد أن كلمة حضارة لا تحمل الدلالة نفسها لدى مجموع الدول الغربية، لنسجل الفرق الشاسع في استعمال توظيف هذه الكلمة.

نحن أمة الرسالة

وفي نهاية كتابه بيَّن الدكتور جاسم محمد زكريا، أن طغى الغرب على العالم حتى أوشك كل سوءٍ يكون غرباً، وأخذ الغرب بناصية العلم حتى ظن الناس أن الغرب علم، وتولى الغرب شن الحروب حتى باتت الخصومات كلها قتلاً، والتهم الغرب العالم الجديد عنوة وقهراً وظلماً، وبات السؤال مشروعاً، ما الغرب الذي يسعى لأن يكون رباً؟ والعياذ بالله أن يكون الغرب رباً.

وأشار إلى أن ذاك هو الغرب الذي لا يزال يرانا نحن أمة الرسالة جملة اعتراضية في مسار التاريخ، التاريخ الذي يقدمه الغرب للعالم بأنه سيرة الرجل الأبيض، الغرب الذي يسعى إلى فرض فرادته على العالم، كهوية نرجسية ترى مصالحها حقوقاً لا تدانيها الريب، ولا تقربها الشكوك، ويرانا باقي أمم العالم وشعوبه مكملات تخدم وجوده، في حضور مروع للأبعاد اليهودية الغربية.

لذلك ظل الصراع على الهوية في العلاقات الدولية مثقلاً في ثناياه بإشكالية الحضارة كلها، وسؤالها المفتاح: هل إقصاء العرب من التاريخ وهمٌ انتهى أو مشروع مستمر؟ فجاء هذا الكتاب في سبيل الإجابة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن