ثقافة وفن

أوافق على طرح المشاهد الجريئة … فادي قوشقجي يكشف لـ«الوطن» تفاصيل «على قيد الحب» ومن ينسى ذكر الكاتب يصغّر نفسه

| هلا شكنتنا

فادي قوشقجي كاتب وروائي سوري، استطاع أن يبهر الجمهور بأعماله ويسحرهم بطريقة تعبيره الجاذبة التي تجعلهم متشوقين لمعرفة تفاصيل الحكاية الدرامية التي تعرض، فمن منا يستطيع نسيان قصة «ليس سراباً» و«على طول الأيام» و«عن الخوف والعزلة» والأعمال الدرامية العديدة التي بقيت عالقة في ذاكرة المتابع لسنوات، وبالتأكيد هذه الحكايا لم تأت من فراغ بل جاءت نتيجة موهبة كتابية متميزة وثقافة درامية عالية تطمح للارتقاء بالدراما والمجتمع معاً، وفي حوار خاص له مع «الوطن» أخبرنا عن جديده وعن عدة مواضيع أخرى كالتالي:

• في البداية دعنا نتحدث عن عملك الجديد «على قيد الحب» وخاصة بأن المتابع يكون دوماً في حالة اشتياق لأعمالك الدرامية لكونها تحمل رسائل اجتماعية هادفة، فما الرسالة التي تود إيصالها من خلال هذا العمل؟

المسلسل اجتماعي معاصر كما بقية أعمالي، يدور الآن وهنا، ويطرح على شخصياته ومشاهديه سؤالين أساسيين: السؤال الأول، أنت موجود حيث أنت كخيار أم مجرد صدفة؟هل أنت مثلاً أخلاقي، أو وطني، أو يساري، أو موظف نظيف الكف، لأنك اخترت ذلك بالفعل، أم لأنك لا تملك خياراً آخر، أو لأنك تسير خلف «موضة» رائجة، أو نتيجة عجز، والسؤال الثاني والأهم هو حين يصطدم عالمك الذي بنيته «كل شبر بنذر» كما يقولون، مع منظومة قيم نقيضة له بالمطلق، إلى أي مدى ستدافع عن عالمك؟ لقد كتبت في ملخص العمل إيضاحاً لهذه النقطة ما يلي: إنه عمل يدور بطريقة ما حول سفينة تايتانيك! أو أي سفينة أو بلد أو مجتمع أو عائلة آيلة إلى الغرق، فحين تعصف العواصف بمجموعة بشرية ما ويصبح المصير على المحك والنجاة موضوعاً للنزاع، سنرى أنواعاً مختلفة من البشر منها المتقاتلون في سبيل الخلاص الفردي، المكافحون من أجل الخلاص الجماعي، والممتنعون عن خوض الصراع «ترفعاً أو عجزاً» وغير ذلك.

• منذ عدة أسابيع قمت بكتابة منشور عبر صفحتك الشخصية على الفيسبوك، وحينها طلبت من الممثلين ذكر اسم الكاتب أثناء إعلانهم عن المشاركة في عمل ما، برأيك الكاتب السوري لم ينل حقه الحقيقي من الممثلين؟ وما رسالتك لجميع الممثلين الذين يتناسون اسم الكاتب الدرامي؟

أنا لا أطالب أحداً بشيء، وأرفض التحدث بنبرة «المظلومية» في أي أمر في هذه الحياة، وبالتالي لن أتحدث بهذه النبرة فيما يتعلق بحقوق الكاتب، لأن الكاتب هو خالق العمل ووالده الشرعي شاء من شاء وأبى من أبى، ومن يهمل أو «ينسى» ذكر الكاتب يصغّر نفسه ولا يصغّر الكاتب، لقد كنت طفلاً ولم يكن قد خطر لي بعد أنني سأكون كاتباً، حين كنت موجوداً أحياناً مع أسرتي أو جيراني خلال مشاهدة مسلسل أو فيلم ما، كنت أسمع على سبيل المثال: يالروعة هذه الجملة التي نطقها نور الشريف (مثلاً)، أو كم مضحكة تلك النكتة التي قالها عادل إمام مثلاً، كنت طفلاً حين اعترضت وجادلت: ثمة من كتبها له، ذاك الذي كتبها هو الذكي، أو هو خفيف الدم، وبالطبع يستطيع الممثل ويجب عليه أن يعطي العبارة المكتوبة مستويات وأبعاداً تجعلها أعظم وأروع، ويستطيع ولا يجب عليه أن ينحدر بها لتصبح تنظيراً أو فظاظة أو سماجة، الممثل ليس هامشياً على الإطلاق ودوره محوري في الارتقاء بالنص أو الانحدار به، لكن يبقى الأساس أنه «في البدء كان الكلمة».

• بعد سنوات طويلة من العمل في المجال الفني، ما الذي تغير في الدراما السورية اليوم؟

كل شيء.. حرفياً كل شيء، الأمر لا يتعلق بالدراما وحدها، بل بسنوات الحرب الطويلة، وسنوات المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية المضنية، حيث غيّرت كل شيء في مزاج الشارع، ونحو الأسوأ بالطبع، وهناك ظلامية وعدمية ترخيان بظلالهما على كل مناحي الحياة وتنعكسان في الدراما، وهناك أيضاً نزعة فردية عنوانها «أنا وبعدي الطوفان»، وهناك تدهور مذهل في كل شيء، وهذا يجعل الانتماء للهمّ الاجتماعي ليس فقط مهملاً ومتروكاً بل محط للسخرية، ودعيني أخبرك شيئاً أنتِ في سؤالك الأول تساءلتِ عن رسالة العمل، أما اليوم فمعظم المنتجين يقولون لكِ: لماذا يجب على العمل أصلاً أن يكون له «رسالة»؟ حسناً… سأوافق… لا تريدون رسالة؟ فليكن ممتعاً على الأقل!لكن يجب العمل أن يحترم عقل المشاهد على الأقل!واليوم تسود أعمال عنوانها العريض أن لا بأس بأن يدهشنا صنّاعها بشيء من قبيل: «أنا مش أبوك يا بني. أنا أمك»، التي أبدعها الراحل الماغوط في إحدى حلقات مسلسل «وين الغلط» للسخرية من التخلي التام عن المنطق لخلق المصادفة أو الموقف الذي يُفترض به أن يذهل المشاهد، ما الذي تغيّر في الدراما السورية»؟ ربما أنه لم يعد هناك شيء قائم كصناعة وثقافة اسمه الدراما السورية.

• في الآونة الأخيرة باتت الدراما السورية تقدم مشاهد جريئة، ما رأيك بهذه المشاهد وهل توافق على طرحها؟

أوافق بشدة، وأستطيع أن أدعّي أنني أحد السبّاقين لطرحها، لكنني سأصيغ الأمر على النحو التالي: لم تكن هناك «قبلة» في «ليس سراباً» أو «أرواح عارية» أو «تعب المشوار» على سبيل المثال، وأتحدث هنا عن القبلة تحديداً لأن النقاش حولها محتدم في الآونة الأخيرة! لم تكن هناك قبلة في مسلسلاتي المذكورة أعلاه، لكن لو وجدت القبلة، وخرجت أنا ككاتب لأقول إنها أهم ما في عملي ونقطة الجرأة التي أزهو بها لكنتُ في قمة الضحالة و«الاستعراض»، وهذه الأعمال جريئة بقُبلة ومن دون قبلة، لأن هناك محتوى كبيراً جداً أزعم أنني أحاول تقديمه قد تكمله «قبلة» فتكون الإضافة العاشرة مثلاً إلى عناصر الجرأة في الطرح والمحتوى، أما أن تكون الأولى أو الوحيدة فهذه كارثة.

• بالعودة إلى الأعمال التي قدمتها سابقاً ومنها «ليس سراباً» و«عن الخوف والعزلة»، نرى أنك دائماً تهتم بالجانب التوعوي والاجتماعي، كم مهمة هذه الأعمال للمجتمع؟

أنا لا أمارس دوراً «توعوياً» أو «إرشادياً» أنا أثير حواراً، وأطرح أسئلة، وأقدّم لساناً وصوتاً لأصحاب الإجابات المختلفة عن أسئلتي، ربما بحكم الطبيعة البشرية أنحاز إلى إجاباتي الخاصة، لكنني أقدّم صوت النقيض بنزاهة، والثقافة والفن بالنسبة لي هما متعة وفكر في المقام الأول، أما التوعية والإرشاد فليس من ضمن اهتماماتي، ولا أؤمن أصلاً بأنني أذكى من المشاهد كي «أرشده»، أنا أحاوره حواراً يرتقي بكلينا وهذا كل ما في الأمر.

• يتأثر الكتاب والأدباء بشكل خاص بالظروف المحيطة بهم، فكيف أثرت فيك الأزمة السورية من ناحية الكتابة؟

هل ما زالت تسمى «أزمة»؟ هذه حرب طاحنة تمس الوجود والثقافة والهوية والكبرياء، لقد أثرت فينا هذه الحرب تأثيراً حياتياً ينعكس بدوره على الكتابة، لقد خلقت حزناً مقيماً، وذهولاً لا يتوقف! هذه البلاد ستنهض شاء من شاء وأبى من أبى، لكنها الطبيعة البشرية مجدداً: قبل الحرب كنت آمل بأنني سأرى هذا النهوض بعينيَّ بعد عقد أو اثنين، لكن اليوم بتنا ندرك أن الأمر يتطلب أجيالاً، و«الأنانية» البشرية لا تستطيع إلا أن تحزن لهذه الحقيقة، واليأس لا يعرف طريقه إليَّ، لكن الحزن لا مفرّ منه بعد إحالة حلمي ومشروعي من الراهن قصير المدى إلى المستقبلي بعيد المدى. هذا تأثير نفسيٌّ وحياتي، لا أعرف بالضبط أين ينعكس على كتاباتي، لكنه المصدر لأي تأثير في مستوى الكتابة.

• بعد عشر سنوات على مرور الأزمة السورية ما الأعمال التي يجب تقديمها ويكون لها تأثير إيجابي في المجتمع؟

كما دوماً: الأعمال تجعل مُشاهدها أو قارئها أقوى وأجمل وأطرف وأظرف وأكثر مدنيةً وأكثر شغفاً بالحياة وكفاحاً من أجلها، وأريد التأكيد على ألا أدعي أنني أفضل من المشاهد أو القارئ في هذه الأمور، كل ما في المسألة أنه على العمل الفني أو الأدبي أن يرتقي بكلينا، وفي ظرف كظرفنا الراهن هذا ملحّ وضروري أكثر من أي وقت مضى، حتى لو كان العمل قاسياً في تفاصيله عليه أن يكافح ضد هذه القسوة وأن يقدّم نقيضها وأن يبرز وينحاز إلى المكافحين ضدها.

• من جانب آخر هل يوجد أي أعمال روائية جديدة يتم التحضير لها؟

لا أعلم، هناك عمل روائي بدأت بالعمل عليه قبل سنوات ولست أدري هل سأكمله أم لا!ربما هذا يجيب عن سؤال سابق حول أثر الحرب على عملي: الكسل هو واحد من آثارها أيضاً، وهذا النزاع الداخلي بين الحزن الذي يلف المشهد وبين الأمل بمستقبل بعيد يجعل سؤال الجدوى حاضراً، وأنا حقاً لا أعلم إن كانت ستكون لي أعمال قادمة سواء روائية أم تلفزيونية. لندع ذلك للأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن