اقتصادالأخبار البارزة

الاقتصاد بعيون الخبراء … عربش: سياسة جباية الأموال تؤدي إلى تعقيد الدورة الاقتصادية … كنعان: الحكومة لا تقدم أي دعم للمصدر للبحث عن أسواق وعقود خارجية

| هناء غانم

عندما يكون الحديث مع أهل الاختصاص عن الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بمرحلة مفترق طرق لا تقبل فيه أنصاف الحلول نجد أن الرؤية تكون أوضح.

«الوطن» تواصلت مع أساتذة كلية الاقتصاد في جامعة دمشق نصحوا بأنه على الحكومة أن تفكر بشكل جاد لمساندة المواطن، معتبرين أن الشعارات والإحصاءات التي تبني عليها الحكومة قراراتها كلها عناوين تبشر بواقع اقتصادي غير مأمول؟

أكد الدكتور شفيق عربش أن كل القرارات التي اتخذتها الحكومة بلا استثناء تؤدي إلى رفع الأسعار، ولاسيما ارتفاع أسعار حوامل الطاقة الكبير للصناعيين والتجار الذي ساهم بزيادة أسعار التكلفة بدلاً من أن يقابلها بارتفاع حجم الأرباح إضافة إلى غيرها من القرارات كرفع نسبة الضرائب والرسوم التي تشكل عبئاً على المنتج وتنعكس بالمحصلة على المستهلك.

عربش أكد أن كل القرارات هي عبارة عن جباية أموال من الشعب، من كل الفئات سواء من المنتجين أم من المستهلكين. وأوضح أن هذه العملية لن تؤدي إلا إلى تعقيد الدورة الاقتصادية، وتؤدي إلى المزيد من التكاليف التي تنعكس على الأسواق، مستغرباً حديث الحكومة كل يوم عن دعم المواطن وإطلاق العملية الإنتاجية والزراعية ووعودها بدعم مربي الدواجن والثروة الحيوانية وغيرهم، معتبراً أن كل الوعود عن الدعم ليس إلا عبارة عن «شوية حكي» ومن دون نتائج.

ورأى أن ارتفاع أسعار السلع خير دليل على ذلك، حيث أدى ارتفاع أسعار الفروج إلى تحويل الكثير من أصحاب المحال إلى مهن أخرى بسبب معاناة المربين من نقص هائل في المستلزمات من أعلاف وطاقة وأدوية وغيرها ما يعني أن الحكومة لا تقدم ما يجب عليها تقديمه لدعم العملية الإنتاجية بشكل ينعكس إيجاباً على الأسعار بحيث تتراجع وتنخفض.

عربش أوضح أن المنتج يتوجه مضطراً لتأمين مستلزمات الإنتاج من السوق السوداء الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التي بدورها تنعكس على ارتفاع الأسعار.

ويرى عربش أن الحكومة اليوم ليس لديها أي خطة اقتصادية وتعيش كل يوم بيوم وصحيح أن هناك صعوبات وحصاراً وكل هذا انعكس سلباً، إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة لم تجد الحل المناسب لذلك، وليس لديها خطة اقتصادية، فالحكومة تقول إنها تدعم الصناعة وبالمقابل تقوم وترفع أسعار الفيول وحوامل الطاقة التي تعتبر الأساس في العمل الصناعي لذلك على الحكومة أن تقدم ما تستطيع تقديمه من خلال الإجراءات المناسبة التي تسهم في إطلاق العملية الإنتاجية وليس وضع العصي في دواليب العملية الإنتاجية كما يحدث.

ويرى أنه على الحكومة أن تخفف من تدخلها في كل شاردة وواردة في العملية الاقتصادية لأنها تفكر بطريقة «سمان الحارة» أي هدفها تأمين الدخل وسد العجز الحاصل في مواردها، وأضاف: نحن كاقتصاديين نتفهم أن هناك نقصاً في الموارد وأن هناك الكثير من ثروات البلد أصبحت خارج سيطرة الحكومة، كل ذلك نتفهمه لكن ما لا يمكن أن نفهمه أن تعوض الحكومة هذا النقص على حساب إرهاق المواطن، مشيراً إلى التكاليف التي تدفع سواء من العمولات أم غيرها، وإلى أن كل الأسعار التي تتعامل بها الحكومة أعلى بـ40 بالمئة من الأسعار العالمية، لافتاً إلى وجود حلقة كبيرة من الفساد تساهم في زيادة التكاليف من خلال جشعها وطمعها.

عربش ذكر أن كل أدوات الإنتاج بالقطاع العام متقادمة «المصافي.. المطاحن.. الآلات» وغيرها وجميعها مردودها أقل بكثير مما يجب أن يكون، موضحاً أن كل ذلك ينعكس على التكلفة والحكومة غير قادرة على تحديث أدوات الإنتاج كما أنها لا تسمح لغيرها بالدخول على خط الإنتاج.. العجز الحكومي في إدارة المرحلة القاسية واضح، فالحكومة في واد والبلد في واد آخر.

الدكتور الاقتصادي علي كنعان أكد لـ«الوطن» أن نظام الأجور في القطاعين العام والخاص متدن والمواد الأولية تأخذ السعر الأعلى علماً أنه يجب أن تكون الأسعار لدينا منخفضة مقارنة مع أي دولة أخرى.

وأشار إلى أن التجار المستوردين عندما يقومون باستيراد المواد الأولية يحددون أسعارها بمعدلات كبيرة تفوق الأسعار العالمية مثل استيراد البذور بالنسبة للزراعة والخيوط والمواد الكيميائية بالنسبة للصناعة وذلك بالمقارنة مع الدول المجاورة أو في الأسواق العالمية، وأضاف: نلاحظ أن تكاليفها في سورية أضعاف مضاعفة بسبب التكاليف غير المباشرة المفروضة عليها مثل الجمارك أو دفع ثمن القيمة بالبنوك والتحويل وشركات الصرافة وغيرها من الأمور التي تساهم في زيادة تكاليف إضافية على المستورد وإن كانت ليست بالحجم الذي يرفع الكلفة للضعف مشكلاً بذلك ضغطاً على الصناعة والتجارة الوطنية.

كنعان أشار إلى أن الحكومة على الرغم من كل ذلك تقوم برفع أسعار حوامل الطاقة بالتزامن مع ارتفاعها العالمي مما يؤثر في كفاءة الصناعة والوطنية، والحل الأمثل برأيه أن يكون هناك رفع تدريجي وسنوي لأسعار الطاقة استناداً لمستويات الغلاء العالمي من الجهات الوصائية، موضحاً أنه عندما ترتفع أسعار الوقود عالمياً 10 بالمئة يجب أن ترفع الحكومة الأسعار بالطريقة نفسها وألا ننتظر سنتين أو ثلاثاً حتى تتراكم الخسائر الحكومية وترفع الأسعار بمعدل كبير.

ورأى أن ما حدث مؤخراً برفع أسعار الفيول ساهم في رفع تكاليف الصناعة الوطنية وكذلك التاجر الذي أبرم عقوداً مع شركات أجنبية لاستيراد المنتجات سوف يصبح خاسراً بهذه العقود وبذلك يستحيل عليه تصدير المواد، مضيفاً: لكي يحافظ التاجر على شركته واستيراد منتجاته يضطر للعمل بخسارة، لذلك على الحكومة رفع الأسعار بمعدلات تدريجية وأن تراعي وضع الصناعات التصديرية كما تعمل كل شركات العالم بحيث لا يتم رفع الأسعار بمعدلات تتجاوز الـ5 بالمئة لأن ارتفاع تكاليف المواد الأولية أو مشتقات الطاقة بالعالم سوف ينعكس سلباً على الصناعة الوطنية، والأهم أن يتم مراعاة الشركات المتعاملة مع شركات أجنبية بحيث يتم التنسيق مع الأسعار التي يتم التصدير بها والأسعار التي تصدرها الحكومة مجدداً، وفي حال تعذر ذلك يبقى الوضع على ما هو عليه حتى إنجاز العقود لأن الخلل بالعقود الخارجية يضر بالمنتج الوطني.

وقال: إن الحكومات التي ترغب وتشجع التصدير تقدم إعانة مباشرة وصلت في بعض الدول إلى 16 بالمئة وأكثر بحيث يتم التصنيع بالداخل وتحريك عجلة الإنتاج ودعم تصدير هذه السلع لتنشيط الوضع الاقتصادي الداخلي، مشيراً إلى أن الحكومة السورية لا تقدم أي دعم للمصدر للبحث عن أسواق وعقود خارجية، والدعم الوحيد المقدم من الحكومة « أنه في حال تم استيراد مواد أولية لأي منتج لإعادة تصديره هو تقديم إعادة الرسم الجمركي للمصدر.. وهذا يأتي من باب تحفيز وتنشيط الصناعة الوطنية.

ورأى أنه لو قامت الحكومة بتحديد الدعم على خمس أو عشر سنوات فسيصبح للصناعة الوطنية سمعة متميزة في السوق الدولية وبالتالي تدر القطع الأجنبي اللازم لعملية التنمية لأن مهمة التصدير هي أن يورد للاقتصاد الوطني قطعاً أجنبياً ضرورياً لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتمويل الشركات، وهنا تركز الدول الناشئة على هذه النقطة بالذات وبهذه الطريقة تنمو وتتطور وتزدهر الصناعة الوطنية كما حصل في العديد من الدول الأخرى.

وأكد كنعان أن الإجراءات الحكومية الحالية تأتي ردة فعل لتخفيض الخسائر والعجوزات وعجز الموازنة وغيرها.

ويرى كنعان أنه على الحكومة السورية أن تعمل بنظام تكلفة الأسعار العالمي لأن النظام الذي تعمل به في سورية هو نظام محلي مؤكداً دعم المنتجين والمصدرين حتى تنتقل الصناعة المحلية إلى نظام التسعير العالمي ويأخذ نظام التكاليف العالمية بالحسبان وبالتالي تصبح الصناعة الوطنية قريبة من مستوى الصناعات العالمية حتى لا يذهب الدعم بل يؤسس لصناعة وطنية تأخذ أهميتها على مستوى العالم.

وأكد كنعان أن الإجراءات الحكومية الحالية تأتي ردة فعل لتخفيض الخسائر وعجوزات التمويل وعجز الموازنة لأن استيراد المواد الأولية يكلف الكثير من الأموال وليس لدينا القدرة على الاستمرار بهذا المجال لأن الأسعار ترتفع بمعدلات عالية وهذا بالتأكيد له انعكاس سلبي على المصنع والمصدر الذي يتوقف عن التصنيع والتصدير وبهذه الحالة يكون هناك ضرر للمنتج الوطني.

كنعان قدم نصيحة للحكومة بألا توقف في المستقبل رفع الأسعار لأن الأسعار العالمية غير ثابتة وتتحرك يومياً إما صعوداً أو هبوطاً وعندما ترتفع أسعار حوامل الطاقة ترتفع التكاليف وترفع الأسعار وعندما تنخفض أسعار حوامل الطاقة تنخفض الأسعار، مؤكداً أن الأسعار ترتبط بالمواد الأولية والأجور، لذلك يجب أن تبقى الأسعار متحركة ولا يجوز تثبيت الأسعار وتحمل خسارة، وأضاف: من ناحية أخرى إذا أردنا أن نرفع أسعار تكاليف المواد الأولية يجب أن ترتفع بشكل تدريجي حتى لا تتضرر الصناعة وبالمقابل يجب أن تشجع الصناعة الوطنية من خلال تأهيل وتدريب الكوادر البشريةً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن