قضايا وآراء

الاستيطان وكنائس القدس

| تحسين الحلبي

لم يعد هناك سبب أو مسوغ من مزاعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس وبقية الأراضي الفلسطينية، إلا واستخدمته لتوسيع الاستيطان والتمهيد المستمر لتهويد الأرض والأحياء والشوارع والمواقع المقدسة والساحات التابعة لها.

فمع بداية الاحتلال في حزيران 1967 ابتكرت السلطات الإسرائيلية مسوغ الضرورات الأمنية للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، فكانت تصادر باسم هذه الحجة أراضي واسعة حول القرى والطرق والمدن في الضفة الغربية، بل في داخلها، لإعدادها للاستيطان وتحويل المستوطنين فيها إلى قوة مسلحة.

في أعقاب اتفاقات أوسلو عام 1993 قسمت الأراضي بشكل مرحلي إلى 12 بالمئة تديرها السلطة الفلسطينية و17 بالمئة تديرها قوات الاحتلال بمشاركة السلطة الفلسطينية، و71 بالمئة تديرها قوات الاحتلال وحدها، فاستغلت هذا التقسيم وبدأت تنفذ خططها الاستيطانية علناً في المناطق الثلاث بحجة حماية المستوطنات، فأقامت الجدار الفاصل حول مدن وقرى الضفة الغربية، وابتلعت أراضي من قرى كثيرة، وفتتت التماسك الجغرافي في مناطق فلسطينية عديدة، أما في مدينة القدس فقد ركزت الخطط الإسرائيلية على الإسراع بتهويد أحيائها ومحاصرة مواقعها المقدسة الإسلامية والمسيحية بكل المزاعم، مثل إعادة بناء الهيكل المزعوم في أراضي المسجد الأقصى والاستيطان في الأحياء العربية التاريخية للفلسطينيين بمزاعم فردية لهذا المستوطن وادعائه بملكية بيوت فيها مثلما يجري الآن في حي الشيخ جراح وغيره، ولم تكتف بذلك بل اتجهت إلى ضم أراض من مقابر الفلسطينيين التاريخية إلى مشروع حديقة أو مزاعم بيئية.

في يومنا هذا، أعلنت سلطات الاحتلال في مدينة القدس المحتلة عام 1967 عن مخطط لبناء حديقة عامة واسعة المساحة، تستولي من خلالها على مساحات كبيرة من أراض تابعة لعدد من الكنائس المسيحية وفي جبل الزيتون ومن أراض أخرى في واد كنعاني ضم معبداً قديماً للكنعانيين قبل آلاف السنين، وجميع هذه المساحات بما فيها ساحات الحرم لهذه الكنائس المسيحية، سوف تعرض بلدية الاحتلال مخطط الاستيلاء عليها في الثاني من شهر آذار المقبل بموجب ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية بحجة ضرورة المحافظة على البيئة وتوسيع الحدائق العامة.

ولذلك سارع قبل أيام قليلة البطاركة ورجال الدين المسيحيين في المدينة إلى إرسال مذكرة لوزير البيئة الإسرائيلي يطالبونه فيها بمنع تنفيذ هذا المخطط الذي يستهدف أراضي كنائسهم الكاثوليكية والأرثوذكسية اليونانية والأرمينية.

وبهذه الطريقة تستمر سلطات الاحتلال بالاستيلاء على الأراضي والبيوت والمواقع المقدسة للمسلمين والمسيحيين في القدس تمهيداً لترحيل كل المقدسيين أصحاب الأرض منها وحرمانهم من مواقعهم المقدسة.

من الواضح أن مثل هذه المخططات الإسرائيلية كان قرار الرئيس السابق دونالد ترامب قد شجع على اتخاذها من سلطات الاحتلال، حين اعترف بأن تكون مدينة القدس المحتلة جزءا من الكيان الإسرائيلي، ويؤكد سجل الدعم الأميركي والغربي اللامحدود للتوسع الإسرائيلي الاستيطاني أن السلطات الإسرائيلية لا يمكن أن تنفذ هذا المخطط إلا بعد نيل الموافقة الأميركية على ذلك، والرئيس الأميركي الحالي جو بايدين نفسه يعرف ذلك مذ كان نائباً للرئيس باراك أوباما وكان في زيارة رسمية للاجتماع برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في تل أبيب في شهر آذار من عام 2010 وأعلن فيها نتنياهو عن توسيع الاستيطان في القدس المحتلة، وبناء 1600 وحدة سكنية استيطانية بعد ساعات قليلة من اجتماع ضمهما في ذلك الوقت، إلى حدّ جعل صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تعلق على هذا التصريح الإسرائيلي الوقح في 10 -3- 2010.

من المؤكد أن هذا المخطط الذي يستهدف مدينة القدس وأراض في ساحات كنائسها سيتصدى له الفلسطينيون كعادتهم وسيتصدى له كل من يقف معهم في العالم العربي والمنطقة من قوى محور المقاومة، لكن المطلوب أيضاً هو أن تتصدى له كل دول العالم لأنه يسعى إلى تغيير الواقع التاريخي لمدينة القدس وينتهك مواثيق قرارات جنيف ومنظمة الأمم المتحدة وكل القوانين الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن