سورية

ألقى كلمة خلال «منتدى فالداي» في موسكو.. وقدّم تصورات واقتراحات تساعد سورية على تأمين الموارد المالية والبشرية في سبيل إعادة البناء وتحقيق التعافي … المقداد: نرفض نظاماً عالمياً قائماً على الاستقطاب والعدوان واعتراف روسيا باستقلال دونيتسك ولوغانسك دفاع عن السلم العالمي

| وكالات

أكد وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، أمس، أن سورية حققت انتصاراً ميدانياً مهماً على الإرهاب بفضل قوات الجيش العربي السوري، وبدعم الحلفاء والأصدقاء، لكنه أوضح أن سورية تواجه اليوم تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ومشكلة وجودية مع الاحتلال التركي ومحاولاته تغيير التركيبة الديموغرافية والهوية السورية وضمان استمرار سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق في الشمال الغربي من البلاد.

ولفت المقداد إلى أن المصالح والسياسات العدائية الأميركية والأوروبية تلاقت على فرض العقوبات الاقتصادية القسرية على الشعب السوري في سبيل دعم سياسة هدامة وخطيرة يتبعها الطرفان.

وأكد أن ما يسمى «قانون قيصر» الأميركي جائر وغير إنساني وغير قانوني وهو غير مسبوق في خرقه لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي، وأن مسؤولي وموظفي الحكومة الأميركية يكذبون عندما يقولون إن العقوبات الأميركية لا تؤثر في دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والأدوية والإمدادات الطبية إلى سورية.

وشدد على ضرورة خروج القوات الأميركية المحتلة من جميع الأراضي السورية وإعادة بسط سيطرة الدولة السورية على مختلف هذه المناطق وإعادة إعمار وصيانة محطات النفط والغاز وتوجيه مواردها لمصلحة الشعب السوري حصراً ووجوب إغلاق كل المعسكرات والمخيمات غير الشرعية التي تقيمها الولايات المتحدة والميليشيات الانفصالية غير الشرعية التابعة لها على الأراضي السورية وإخراج الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم من سورية وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

وطرح المقداد بعض الأفكار من أجل وضع تصورات واقتراحات تساعد الشعب السوري والدولة السورية على استعادة القدرة في مجالات تأمين الموارد المالية والبشرية في سبيل إعادة البناء وتحقيق التعافي والعودة إلى مسار التنمية المستدامة، وفي مقدمتها الرفع الفوري وغير المشروط لكل الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية، وتعزيز فرص التبادل والتعاون التجاري والاقتصادي والصناعي والزراعي بين الدول متماثلة التفكير والتي تتعرض لهذا النوع من الإجراءات القسرية الأحادية الجانب.

وقال: «نحتاج إلى التفكير الخلاق والشجاع والمدروس بعناية وإلى التخطيط طويل الأمد من أجل إحداث التغيير الإيجابي المطلوب لمصلحة شعوبنا ولمصلحة عالم أكثر أمناً واستقراراً ورفاهاً، فنحن لا نريد تهميش أحد ولا نرغب بإهانة أحد لكننا يجب أن نرفض في النهاية نظاماً عالمياً قائماً على الاستقطاب والعدوان والإجراءات العقابية وعزل الآخر، ونحن على ثقة تامة بأن عالمنا يتجه حتماً نحو التغيير وأن علينا تحمل مسؤوليات جسام في الدفاع عن مبادئ الحرية والعدالة وعن الحق في السلم والأمن والتنمية للجميع».

وفي كلمة له خلال منتدى فالداي للحوار في موسكو، أكد وزير الخارجية والمغتربين، حسب وكالة «سانا»، أن اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك خطوة نحو الدفاع عن السلم العالمي والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعلاقات الدولية السليمة.

وأوضح أن كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس كانت نقطة فاصلة للرد على الدول الغربية والتهديدات التي كانت تتكلم عنها هذه الدول لفترة طويلة، مبيناً أن هذه الدول استباحت العالم ودعمت الإرهاب وتستخدم القوة وأساليب الخداع والضغط وتعتبر من يسير في نهجها ديمقراطياً وحراً، في حين من يرفض الانصياع لنهجها تعتبره معادياً للديمقراطية والحرية.

وقال: إن سورية تعرضت على مدى أكثر من أحد عشر عاماً لحرب إرهابية غير مسبوقة وبطبيعة الحال يعلم الجميع أننا حققنا انتصاراً ميدانياً مهماً على الإرهاب بفضل قواتنا المسلحة وبدعم الحلفاء والأصدقاء وفي مقدمتهم روسيا ممثلة بقيادتها السياسية وقواتها الشجاعة التي وقفت معنا بكل إصرار وعزيمة.

وأضاف: غير أن الانعكاسات الحقيقية لهذا النصر تمثلت أولاً في نسف رواية الحكومات والقوى المعادية التي استماتت لتزييف الحقائق ومارست بروباغاندا إعلامية لإظهار ما جرى في سورية على أنه حرب أهلية، أما الانعكاس الثاني المهم فقد ظهر على الصعيد الوطني في سورية حين أثبت السوريون في نهاية المطاف إرادتهم الشعبية بالانتصار على الإرهاب بمختلف أشكاله وجنسياته وبرفض الهيمنة الأميركية والغربية على استقلالنا وقرارنا الوطني وبإرادة الحياة والاستقرار والرفاه لجميع السوريين مهما كانت التحديات الأمنية والاقتصادية.

التفاؤل والواقعية

ولفت المقداد إلى أن «التفاؤل سمة طبيعية وضرورية لدى البشر من أجل البقاء والاستمرار، لكننا كمسؤولين حكوميين نتمسك دائماً بتحقيق التوازن بين التفاؤل والواقعية قبل كل شيء.. لماذا أقول ذلك.. لأننا نواجه اليوم تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في بلد عاش لأكثر من عشر سنوات آلام حرب إرهابية غير مسبوقة، حيث تعرضت مناطق شاسعة منه لاعتداءات المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها القاعدة و«داعش» و«جبهة النصرة» وكل من تحالف وارتبط بهذه المجموعات التي دعمتها ومولتها وسلحتها حكومات دول معروفة تستمر إلى اليوم في تحدي مبادئ القانون الدولي وخرق قرارات مجلس الأمن التي صنفت هذه المجموعات بأنها كيانات إرهابية».

وأوضح أنه خلال سنوات الحرب الإرهابية دفع شعبنا ودولتنا أثماناً باهظة من أرواح المواطنين الأبرياء ومن تدمير البنى التحتية والأملاك العامة والخاصة وسرقة النفط والغاز والقمح والموارد الطبيعية والتراث الحضاري والإنساني للشعب السوري، أما اليوم فتواجه جهود الحكومة السورية في مجال إعادة الإعمار وضمان العودة الآمنة للمهجرين السوريين إلى بيوتهم وحياتهم الطبيعية تحديات ليست بالعادية مع استمرار الوجود العسكري غير الشرعي لقوات الاحتلال الأميركي وسيطرتها مع ميليشيات انفصالية تابعة لها على آبار النفط والغاز والأراضي الزراعية الحيوية في شمال شرق سورية.

سرقة القمح

وقال: إن «سورية التي لم تكن بحاجة يوماً لاستيراد حبة قمح واحدة وكانت حتى وقت قريب تقوم بتصديره إلى عدة بلدان باتت مضطرة اليوم لاستيراد هذه المادة الأساسية لأن خزان القمح السوري منهوب ومسروق ومستولى عليه من قوات الاحتلال الأميركي والميليشيات الانفصالية التابعة لها وهو الأمر الذي يضطر الحكومة السورية لاستيراد القمح من أجل تأمين متطلبات المواطنين وضمان توفير الخبز لهم دون توقف»، مبيناً أن الحرب الإرهابية وأعمال العدوان الأميركي والتركي على سورية وكذلك الحصار الاقتصادي المفروض تسببت بكارثة كبيرة للشعب السوري».

وأوضح المقداد، أن إنتاج سورية السنوي من القمح كان قبل الحرب نحو مليونين ونصف المليون طن، أما اليوم فتحتاج سورية إلى استيراده بعد التراجع الهائل في إنتاج هذه المادة الحيوية التي كانت تشكل مع القطن جوهر الأمن الغذائي والصناعي لسورية حيث تقدر حاجة سورية من الطحين حالياً مليوناً ومئتي ألف طن سنوياً من الطحين التمويني الذي يحتاج تأمينه إلى مليون وخمسمئة ألف طن من القمح سنوياً.

وأشار إلى أنه بالمحصلة فإن إعادة تأهيل ورفع مستوى إنتاج سورية من القمح ستبقى مرهونة بإنهاء الاحتلال واستعادة أكثر من نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي لم تعد تزرع القمح بسبب النقص الحاد في المحروقات والطاقة الكهربائية وهي العوامل التي ترتبط بعامل آخر لا يقل أهمية والمتمثل باستمرار الجانب التركي في خرق الاتفاقات القائمة بين البلدين على مستويات تدفق مياه النهر ضمن بروتوكول عام 1987 الأمر الذي يتسبب بنقص مياه الري اللازمة لمساحات تصل إلى نحو 330 ألف هكتار.

وقال: «نواجه أيضاً مشكلة وجودية مع الاحتلال التركي لمناطق في شمال سورية ومحاولات النظام التركي تغيير التركيبة الديموغرافية والهوية السورية في تلك المناطق وضمان استمرار سيطرة تنظيمي القاعدة وجبهة النصرة الإرهابيين على مناطق في الشمال الغربي من سورية إلى درجة غير مسبوقة وتحت أنظار المجتمع الدولي الذي يشاهد كيف باتت الحكومة التركية تمثل السند الأساسي لهذه التنظيمات الإرهابية في إدلب ومحيطها دون أن يحرك ساكناً وليس غريباً أن يتم قتل متزعمي تنظيم «داعش» الإرهابي في الأراضي التي تسيطر عليها القوات التركية المحتلة في شمال سورية كدليل إضافي على احتضان تركيا لهذا التنظيم الإرهابي والتنظيمات الإرهابية الأخرى في تلك المناطق».

الإجراءات القسرية

ولفت المقداد إلى أن سورية تواجه تحديات هي والحلفاء والأصدقاء الذين لا يزالون يرفعون قيم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي في مجال إعادة الإعمار والعودة بسورية إلى مسار التنمية المستدامة، ويتمثل هذا التحدي في الإجراءات القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الشعب السوري والتي تعاظمت بشكل لا إنساني وغير مسبوق خلال السنوات الأخيرة.

وقال: «يعلم الكثيرون أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يفرضان سلسلة واسعة من الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب على سورية وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تتذرع بفرض مثل هذه الإجراءات غير الشرعية بذرائع وهمية تتعلق بمكافحة الإرهاب في حين أنها كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأميركية التقليدية القائمة على الضغط على الحكومات التي لا تخضع لهيمنتها وتختلف معها سياسياً»، مشيراً إلى أن الإجراءات القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على العديد من شعوب العالم تطول بآثارها الاقتصادية والاجتماعية السلبية المباشرة وغير المباشرة نحو ملياري شخص في العالم.

وأضاف: بالعودة إلى الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري فإن حجم وتأثير الإجراءات القسرية غير الشرعية قد تعاظم نتيجة إصدار الإدارتين الأميركيتين السابقتين ثمانية أوامر تنفيذية تقضي بتشديد الحصار الاقتصادي على الشعب السوري وفرض إجراءات عقابية جديدة غير مسبوقة على قطاعات المصارف والطاقة والاستثمار والاستيراد والتصدير والاتصالات والنقل الجوي والبحري والبري وذلك بغرض رفع مستوى تأثير هذه العقوبات غير الشرعية على الشعب السوري إلى درجة حرمانه من حقوقه الأساسية في الحياة ولاسيما حقه في الحصول على الدواء والرعاية الصحية والغذاء المناسبين إضافة إلى منعه من حقه في الحصول على الموارد الكافية من الماء والكهرباء والاتصالات والتنقل الداخلي والخارجي وبطبيعة الحال كان الاتحاد الأوروبي يلحق فوراً بركب القرارات الأميركية ويتلقى بانصياع كامل صدى الإجراءات القسرية الأميركية التي تفرض على سورية ويبادر إلى فرض إجراءات مماثلة عليها».

وأشار المقداد إلى أنه خلال العامين الماضيين وعلى الرغم من المطالبات الأممية والدولية بما فيها دعوات الأمين العام والكثير من أصحاب الولاية في مجال حقوق الإنسان من أجل رفع الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري لمواجهة تداعيات جائحة «كوفيد19» العالمية فقد أقدمت الحكومة الأميركية والاتحاد الأوروبي على إصدار العديد من القرارات التنفيذية بتجديد وتشديد مفاعيل هذه الإجراءات وذلك بالتوازي مع دخول ما يسمى «قانون قيصر» الأميركي حيز التنفيذ في نهاية عام 2020 بما يشمله من إجراءات اقتصادية عقابية مشددة ضد السوريين وضد كل حكومة أجنبية أو «طرف ثالث» يسعى إلى المشاركة في نشاطات اقتصادية وتجارية استثمارية وخدمية لخير المواطنين السوريين داخل سورية.

ولفت إلى أن المصالح والسياسات العدائية الأميركية والأوروبية تلاقت على فرض العقوبات الاقتصادية القسرية على الشعب السوري في سبيل دعم سياسة هدامة وخطيرة يتبعها الطرفان وهي كانت ولا تزال قائمة على دعم التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية في سورية وممارسة الابتزاز والإرهاب الاقتصادي لاستهداف سورية وحلفائها من أجل نشر الفوضى وعدم الاستقرار وفرض أجندات خاصة لا يمكن أن تكون لمصلحة الشعب السوري ولا حقه في عودة الاستقرار والأمن والرفاه والكرامة الإنسانية للجميع دون استثناء، مؤكداً أن أجندة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض القوى الإقليمية تجاه سورية لا تزال تشكل تهديداً للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وبين المقداد أنه بسبب الحصار الاقتصادي الخانق تراجع ترتيب سورية في دليل التنمية البشرية إلى قائمة أقل البلدان نمواً حسب تقارير الأمم المتحدة المعنية بالتنمية البشرية بعد أن كانت سورية تحقق تقدماً ملحوظاً قبل عام 2011 في مجال تطبيق معايير ومؤشرات التنمية المستدامة وفي مجال تحقيق النمو الاقتصادي والذي وصل إلى 9 بالمئة سنوياً واليوم تخلف هذه الإجراءات غير المشروعة آثاراً سلبية خطيرة حتى على عملية إيصال المساعدات الإنسانية باعتراف منظمات الأمم المتحدة العاملة على الأرض وعلى سبيل المثال لا الحصر ارتفعت تكلفة السلة الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للمحتاجين من العائلات السورية خمسة أضعاف خلال فترة عشرة أشهر وانخفضت قيمتها الغذائية إلى أقل من النصف.

مشاريع التعافي المبكر ممنوعة

وأشار المقداد إلى أنه على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن رقم 2585 وما تضمنه حول توسيع مشاريع التعافي المبكر في سورية فإن الحصار الاقتصادي الأميركي الأوروبي على سورية لا يزال يمنع الأمم المتحدة من الانتقال من تقديم المساعدات الإنسانية إلى دعم مشاريع التعافي وإعادة الإعمار ودعم قدرات الاقتصاد السوري في مجال تلبية الاحتياجات الرئيسة للمواطنين السوريين.

وقال: «تؤثر الإجراءات القسرية أحادية الجانب بشكل مباشر في قدرة القطاعات الاقتصادية الرئيسة على أداء مهامها بفاعلية ولاسيما قطاعات الطاقة والمصارف والصحة والصناعة والزراعة والنقل والاتصالات والتجارة الداخلية والخارجية هذا إلى جانب الانخفاضات الهائلة في سعر الليرة السورية مقابل الدولار وما يتبع ذلك من ارتفاع أسعار جميع المواد والخدمات الأساسية»، مبيناً أن قطاع الطاقة الكهربائية في سورية تعرض منذ بداية الحرب إلى استهداف تخريبي ممنهج من قبل الجماعات الإرهابية إلى جانب اعتداءات ما تسمى «قوات التحالف الدولي» ما تسبب بخروج نحو 50 بالمئة من منظومة الكهرباء عن الخدمة وقد بلغت القيمة الإجمالية للأضرار المباشرة نحو ثمانية مليارات دولار أميركي موزعة بين محطات التوليد وأضرار شبكة النقل وأضرار شبكة التوزيع علماً أن سورية كانت تنتج قبل الحرب 9500 ميغاواط أما اليوم فلا يتجاوز الإنتاج 2600 ميغاواط ما يؤكد حجم ما تعانيه سورية من خسائر وتراجع في مستوى الخدمات الأساسية نتيجة ما تعرض له قطاع الطاقة الكهربائية من تدمير وسرقة وتخريب.

وأضاف: إن «أي خطط وبرامج تضعها الحكومة السورية من أجل إعادة بناء الاقتصاد وتأهيل القطاعين الصناعي والزراعي وقطاعات الخدمة ولاسيما التعليمية والصحية منها والعودة بالبلاد إلى مسار التعافي والتنمية المستدامة تبقى مرتبطة قبل كل شيء بإعادة بناء ما دمرته آلة الإرهاب والعدوان في قطاع الطاقة الكهربائية باعتباره عصب الحياة والإنتاج»، لافتاً إلى أن سورية بحاجة ماسة اليوم إلى إعادة تأهيل محطات التوليد والتحويل وشبكات النقل والتوزيع وبناء محطات جديدة تعتمد على التقنيات الحديثة ومصادر الطاقة البديلة بحيث تضمن الدولة تحقيق الاستجابة لاحتياجات مختلف القطاعات الاستثمارية والخدمية في سورية من الطاقة الكهربائية.

وأوضح المقداد، أنه في عملية حسابية سريعة يمكن القول إن إعادة تأهيل وبناء قطاع الطاقة الكهربائية في سورية قد تحتاج لأكثر من عشرين مليار دولار أميركي وعملية إعادة تأهيل هذا القطاع تحظى اليوم باهتمام ودعم كبيرين من روسيا الاتحادية الصديقة ومن دول أخرى في مقدمتها إيران والصين لكن نحن نوازن بين التفاؤل والواقعية ونعلم أن إعادة تأهيل قطاع الطاقة الكهربائية في سورية لا يمكن أن تتحقق كما نريد ونحتاج دون رفع الحصار الاقتصادي الأميركي والأوروبي عن سورية ودون خروج القوات الأميركية والتركية المحتلة وعودة مؤسسات الدولة السورية إلى كامل الأراضي بما فيها حقول النفط والغاز.

وقال: إن الحصار الاقتصادي الأميركي الأوروبي يعوق قدرات الحكومة على التعاقد مع شركات أجنبية لصيانة وإعادة تأهيل محطات التوليد وشبكات نقل الطاقة الكهربائية ويحد هذا الحصار من قدراتنا الوطنية على تمويل أي مشاريع صيانة أو بناء محطات طاقة جديدة بسبب حظر التحويلات المصرفية كما يقيد هذا الحصار الجائر قدرة الحكومة السورية على تأمين الوقود والغاز اللازمين لتوليد الطاقة الكهربائية.

الخطوط الحمراء الأميركية

ولفت المقداد إلى أن دولاً وحكومات وجهات أجنبية عديدة كانت وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة العاملة في الشأن الإنمائي مهتمة بدراسة وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في سورية لكنها أبلغتنا أنها تلقت رسالة تحذير شديدة من وزارة الخزانة الأميركية ومن مسؤولين في الإدارة الأميركية مضمونها أن الاستثمار في الطاقة الكهربائية المتجددة في سورية هو خط أحمر.

وأكد، أنه فيما يتعلق بما يسمى «قانون قيصر» الأميركي الذي دخل حيز النفاذ في حزيران من العام 2020 فإن مضمون هذا القانون الجائر وغير الإنساني وغير القانوني كان غير مسبوق في خرقه لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي التي تدعم جميعها حق الدولة في التنمية والرفاه وتدعو إلى احترام حرية التبادل والتجارة والاستثمار بين الدول حيث استهدف هذا القانون لأول مرة دولاً بعينها وهي روسيا الاتحادية وإيران والصين وذلك في معرض تعاملها المالي والاقتصادي مع سورية وغيرها من دول العالم النامية.

وأشار المقداد إلى أن «قانون قيصر» استهدف أيضاً أي طرف أجنبي يقوم بالتعاون أو التعاقد أو العمل مع الكيانات العامة والخاصة الوطنية السورية بما في ذلك الحكومات والكيانات الخاصة وبالمحصلة تضاءلت إمكانية تعاقد أي كيانات أجنبية خاصة وعامة مع الحكومة السورية أو مع أي شركة سورية أو فرد سوري بسبب مخاوف جدية من التعرض لعقوبات مالية ومصرفية وحظر التعامل معها بقرارات غير قانونية تصدرها وزارة الخزانة الأميركية وتطبقها المصارف والمؤسسات المالية الدولية بالإكراه.

وقال: إن «القطاع الطبي السوري العام والخاص منه يعاني منذ سنوات طويلة بسبب هذه الإجراءات العقابية وغير الشرعية من ضعف أو انعدام القدرة الملائمة على استيراد المعدات الطبية والتقنيات الطبية الحديثة أو توطينها وعلى استيراد الأدوية والمواد الطبية وذلك بسبب استهداف هذه الإجراءات القسرية الأحادية الجانب للقطاع المصرفي السوري بشكل حاد ولاسيما في مجال إنجاز التحويلات المصرفية الخارجية وبسبب امتناع العديد من الشركات المتخصصة في مجال الصناعات الطبية والدوائية عن التعامل وإبرام العقود مع القطاعين العام والخاص في سورية بسبب الخشية من استهدافها بعقوبات مالية ومصرفية وتجارية تفرضها الحكومة الأميركية على أي «طرف ثالث» تعتبر أنه قد خرق الحصار الاقتصادي الذي تفرضه على سورية».

وأكد المقداد أن مسؤولي وموظفي الحكومة الأميركية يكذبون عندما يقولون أن العقوبات الأميركية لا تؤثر على دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والأدوية والإمدادات الطبية إلى سورية فهذا الادعاء هو محض افتراء وما تسمى «استثناءات تمنحها وزارة الخزانة الأميركية» لا تزال تخضع لاعتبارات مسيسة تناقض مصالح السوريين وتطلعاتهم لحياة أفضل.

وقال: «أستطيع أن أتحدث لساعات وبالتفصيل عن التحديات التي نواجهها في سورية من أجل تجاوز الآثار الاقتصادية المؤلمة للحرب الإرهابية على سورية وعن الدعم القيم الذي يقدمه الحلفاء والأصدقاء وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية وإيران والصين لمساعدتنا على تجاوز ما أمكن من الأعباء الاقتصادية الهائلة.

تصورات واقتراحات

وأضاف: «سأتوقف عند بعض الأفكار من أجل وضع تصورات واقتراحات تساعد الشعب السوري والدولة السورية على استعادة القدرة في مجالات تأمين الموارد المالية والبشرية في سبيل إعادة البناء وتحقيق التعافي والعودة إلى مسار التنمية المستدامة ويأتي في مقدمة الأفكار والمقترحات الرفع الفوري وغير المشروط لجميع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية ولاسيما على قطاعات المصارف والنقل الجوي والبحري والاتصالات والطاقة والنفط وتعزيز فرص التبادل والتعاون التجاري والاقتصادي والصناعي والزراعي بين الدول متماثلة التفكير التي تتعرض لهذا النوع من الإجراءات القسرية أحادية الجانب وتأسيس مسارات مبتكرة وخلاقة في العمل المشترك تساعدنا على تجاوز المنظومات التجارية والمالية والمصرفية التي تتحكم الولايات المتحدة بها».

وشدد المقداد على ضرورة خروج القوات الأميركية المحتلة من جميع الأراضي السورية وإعادة بسط سيطرة الدولة السورية على مختلف هذه المناطق وإعادة إعمار وصيانة محطات النفط والغاز وتوجيه مواردها لصالح الشعب السوري حصراً ووجوب إغلاق كل المعسكرات والمخيمات غير الشرعية التي تقيمها الولايات المتحدة والميليشيات الانفصالية غير الشرعية التابعة لها على الأراضي السورية وإخراج الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم من سورية وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية ووقف المسرحيات الخطيرة التي تهدف إلى إطلاق سراح وتهريب هؤلاء الإرهابيين من سجون ميليشيا «قسد» الانفصالية في مدينة الحسكة وغيرها والتي شهدنا أحدث فصولها منذ أيام قليلة مضت.

وقال: تحتفظ الحكومة السورية بحقها في تحميل الحكومة الأميركية وشركائها في إطار ما يسمى التحالف الدولي وعملائها من الانفصاليين في شمال شرق سورية المسؤوليات القانونية والمالية عن استهداف الأملاك العامة والخاصة والبنى التحتية السورية وتدميرها بشكل كلي أو جزئي بما يشمل الطرقات والجسور ومحطات الطاقة الكهربائية وآبار النفط والغاز وطرق الإمداد.

وأوضح المقداد، أنه صدرت أرقام تقديرية كثيرة عن تكلفة إعادة الإعمار في سورية وتراوحت هذه الأرقام بين 250 و400 مليار دولار أميركي لكن ستبقى الحقيقة الأبرز في هذا المجال هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزالان غير قادرين على القبول بهزيمة مشروعهما العدواني ضد سورية والذي كان الإرهاب هو السلاح الأبرز فيه وعلى حساب السلم والأمن الدوليين ولا تزال هذه القوى الغربية النافذة تعتقد واهمة أن بإمكانها تقرير مصير سورية والسيطرة على مسار الحل فيها وان تكتب دستوراً جديداً وأن تفرض نظاماً سياسياً جديداً وهوية وطنية وقومية جديدة على السوريين ولذلك فإن هذه القوى والحكومات لن تتوقف عن استخدام الإرهاب الاقتصادي ضد سورية وروسيا وإيران والصين وضد كل حكومة لا تخضع لهيمنتها.

وبعد أن تساءل المقداد: ما هو الحل؟، قال: «ربما لا يكون آنياً ولا سريعاً لكننا نحتاج إلى التفكير الخلاق والشجاع والمدروس بعناية وإلى التخطيط طويل الأمد من أجل إحداث التغيير الإيجابي المطلوب لصالح شعوبنا ولصالح عالم أكثر أمناً واستقراراً ورفاهاً فنحن لا نريد تهميش أحد ولا نرغب بإهانة أحد لكننا يجب أن نرفض في النهاية نظاماً عالمياً قائماً على الاستقطاب والعدوان والإجراءات العقابية وعزل الآخر ونحن على ثقة تامة أن عالمنا يتجه حتماً نحو التغيير وأن علينا تحمل مسؤوليات جسام في الدفاع عن مبادئ الحرية والعدالة وعن الحق في السلم والأمن والتنمية للجميع».

وأضاف: تحضرني في هذا المجال فكرة دأب السيد الرئيس بشار الأسد على تأكيدها واقتبس «إن الدروس والتجارب هي التي تبني الأمم والأوطان وتمنحها الصلابة والمناعة»، كما تحضرني في السياق ذاته مقولة روسية استخدمها الرئيس فلاديمير بوتين من على هذا المنبر في العام الماضي واقتبس «علينا مواجهة الصعوبات بعقولنا ومواجهة المخاطر بخبرتنا»، مشيراً إلى أن سورية وروسيا ودولاً أخرى عديدة متماثلة المبادئ والتفكير واجهت صعوبات ومخاطر شتى بسبب دفاعها عن السيادة الوطنية والحرية والمساواة ونحن في سورية لا نشك أبداً في أن البعض في الغرب لن يكف عن استهداف كل من يدافع عن هذه القيم.. ولا نشك في أن المسرحية الأميركية الأخيرة في أفغانستان ومحاولات الولايات المتحدة تأجيج الأوضاع بين روسيا وأوكرانيا هي حلقة في سلسلة لن تتوقف من الممارسات الأنانية والعدوانية التي تستهدف السلم والأمن الإقليمي والدولي لكننا لا نشك في المحصلة بأن التغير الإيجابي والإنساني قادم وأننا قادرون معاً على التعاون والتنسيق من أجل تحقيق هذا التغيير.

وختم المقداد بالقول: أشكركم على استضافتي وأتطلع إلى الاستماع للخلاصات والمقررات التي سيتوصل إليها المفكرون والأكاديميون في منتدى فالداي والتي تركز بلا شك على الخبرة العميقة في مواجهة التحديات والمخاطر بمنهج واقعي ومرن يقوم على الحوار ويوازن بين حدود الإرادة وحدود القدرة ويحترم حقوق الآخر ولو اختلف معه ويطلب منه في المقابل احترام خياراتنا ومصالحنا وأولوياتنا واسمحوا لي هنا أن أختم حديثي بمقولة للسيد الرئيس بشار الأسد وأقتبس: «إن التعامل مع المتغيرات في الواقع يتطلب تغيير المقاربة السياسية وإجراء حوارات عقلانية مبنية على مصالح الشعوب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن