من دفتر الوطن

راجعوا هذهِ العناوين!

| فراس عزيز ديب

في مثلِ هذا الشهر، قبل عشرينَ عاماً كنتُ قد فقدتُ أحد أصدقاء الطفولة بحادثِ سير، قبلَ أسبوعين من ذكرى الأربعين جمعنا والده كأصدقاءَ طفولةٍ للفقيد وطلبَ مني أن أُلقي كلمة الأصدقاء والعائلة، كان الأمر بمنزلة الصدمة إذ كيف لي أن أقف في صالةِ الكنيسة أمام الجموع؟ كيف سأبدأ الكلمة وكيف سأنهيها؟ تحديداً إن الفقيد ينحدر من عائلة كانَ جده لعشرات السنين «خوري الغسانية»، لكني ضمنياً فهمتُ معنى اختيار الأب لي، وهذا يعني أنني قد أموت قبلَ أن أخذله!
ما زلتُ أحتفظ بتلكَ الورقة حتى الآن، رغمَ أن حروفها امتزجت بدموعي، وهوامشها مُحيَت بتوتر أصابعي، لكنها لا تزال بالنسبةِ لي كنزاً يُعيد لي الثقة بأن هذا الشعب علماني بالفطرة.
لا أُخفيكم أن سبب سردي لهذه الحادثة هو ما قرأتهُ عَن مُنتجٍ فكري جديد أبصرَ النور.
لنتفق بأن النتاجات الفكرية أمر جدير بالتقدير والاحترام، بمعزلٍ عن اقتناعنا أو عدمِ اقتناعنا بالأفكار المطروحة بينَ دفتيه، لكن هناك نوع من النتاجات الفكرية عليك أن تعيرها الاهتمام لأنها تبدأ من فكرة مغلوطة، فبعد النجاح الباهر الذي حققهُ كتاب «فقه الأزمة» وبيعت منه ملايين النسخ وبخمسين لغة عبر العالم هناك من قرَّرَ إنتاج كتابٍ جديد بعنوان:
العلاقة الإسلامية المسيحية، مودة وإخاء.. سورية نموذجاً للعالم
أولاً: في النتاجات الأدبية علينا أن نُحدِّد الجهة التي نريد مخاطبتها عبرَ الأفكار المطروحة:
هل تريد مخاطبة المواطن السوري؟ هل حقاً أن المواطن السوري اليوم بحاجة لكتاب لن يقرأه إلا القائمون عليه، أم إنه بحاجةٍ لبضعة ليترات من مازوت التدفئة وضمان بقائهِ في سياق الدعم من عدمهِ؟ ما هذا الترف الفكري الذي يبدو فيهِ القائمون على هذا الكتاب وكأنهم منفصلون عن الواقع!
هل تريد مخاطبة الخارج لتشرح لهُ بأن سورية «نموذج للعالم؟»، هل تعتقدون أن هناك في الغرب من سيقرأ كتباً كهذا؟ فالغرب تجاوز منذ عقود طويلة هذه التصنيفات، لأنه ساوى بين المواطنين ولم يميز بين مواطن درجة أولى أو ثانية، المواطن السوري فعلياً هو نموذج للعالم، لأنه ببساطة تجاوز القوانين والتشريعات ليبني بفكره النقي العلاقة مع شقيقه في الوطن.
ثانياً: قد يقول البعض، وكيف تريد مهاجمةَ كتاب قبل أن تقرأه؟ وهل كان علي مثلاً أن أقرأ كتاب «آيات شيطانية» لأفهم ما فيه؟ هذا العنوان غير موفق، العلاقة بين المواطنين لا يحكمها الانتماء الديني ولا يفرزهم حسبما ينتج عنهم، هل فعلياً هو بحاجة لكتاب يَفهم فيها تاريخ العلاقة مع شقيقه في الوطن، وهو أساساً يعيش هذه التفاصيل لحظة بلحظة، بحلوها ومرها وهو من كان ركيزة لهذهِ العلاقة؟ ثم لماذا لا يكون المعنى أبعد واختصاره بعبارة «التآخي في سورية» بدلاً من هذه العناوين المستفزة!
في الخلاصة: قد نتفهم فكرة وجود أشخاص لا عمل لديهم، فيختارونهم كل فترة لتأليف كتب كهذه ووضعها على الرف ليعتليها الغبار، لكن حتى بطريقة الانتقاء للعمل يجب أن يكون هناك وعي في الطرح، خروج من عناوين عفى عليها الزمن، إلا أن كان هناك فعلياً من لا يزال يعتقد أن صورة «خوري وشيخ» هي من تمنَع الشعب من التقاتل، عندها لا يسعنا القول إلا حسبنا اللـه ونعم الوكيل!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن