أجفلت عندما فرقع سؤاله في وجهي كطلقة مسدس: «ما حقيقة ما يجري في أوكرانيا برأيك؟» قلت له مناوراً: الرأي هو معرفة ذاتية ناقصة، يُعبِّر المرء من خلالها عن شعوره إزاء حدث، أو فكرة، أو حكمة، أو شخص، أما الحقيقة فهي ما يمكن البرهنة على صِدقه من كل ما سبق. وأنت تسألني عن رأيي وعن حقيقة ما يجري في آن معاً! فأي منهما تريد؟ قال: أريد الاثنين، ومن واجبك أن تجيبني.
فكرت أن أتجاهل سؤال الرجل، فمعرفتي بالمسألة الأوكرانية محدودة جداً، وأنا عادة لا أسمح لنفسي أن أبدي رأياً بموضوع مالم أكن مطلعاً عليه بشكل جيد. إلا أن سؤال الرجل ظل يحفر في رأسي فأمضيت اليومين الماضيين وأنا أقرأ عن أوكرانيا.
أول ما استوقفني هو قول أكثر من مؤرخ من المشهود لهم بالرصانة والجدية إنه لم يكن هناك في في التاريخ دولة تسمى أوكرانيا، فتلك البقعة من العالم كان اسمها «ماليا روس» وقد قرأت كشفاً بأسماء أهم مدن تلك البلاد، فتبين لي أن معظم بناة مدنها والمرتبطين بتاريخها هم من الأباطرة والقادة العسكريين الروس.
ولعله من المضحك أن نعلم أن الممثل الكوميدي الصهيوني زيلينسكي الذي يرأس أوكرانيا حالياً ليس من أصل أوكراني، فجد والده كان أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي وكان ستالين قد زج به في السجن ونفاه فيما بعد من روسيا إلى أوكرانيا.
وقد وجدت المخابرات المركزية الأميركية ضالتها في زيلينسكي هذا الذي يحمل الجنسية (الإسرائيلية)، فنظمت له انقلاب 2014 بتمويل من اليهودي الصهيوني جورج سورس، ممول الثورات الملونة في العالم.
صحيح أن عدد المواطنين اليهود في أوكرانيا لا يتجاوز الـ 400 ألف، أي أقل من 0.5 بالمئة من عدد السكان، لكنهم يملكون أكثر من 90 بالمئة من موارد البلاد، فرئيس الوزراء الحالي دينس أشماهول، هو الآخر يهودي صهيوني يحمل الجنسية (الإسرائيلية)، كما يوجد في الحكومة عشرة وزراء آخرون بعضهم يحملون الجنسية (الإسرائيلية) وبعض آخر يحمل جنسيات دول أوروبية غربية. والمدهش في الأمر هو أن هذه الحكومة التي يغلب عليها اليهود الصهاينة تتعاون بشكل مباشر مع المجموعات النازية الجديدة!
بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي عام 1991، قرأت تعهداً تقدم به قادة الغرب، لميخائيل غورباتشوف، بأن حلف «النّاتو لن يتحرّك شبراً واحداً باتجاه الشرق». لكن ما فعلوه هو إحاطة روسيا بـ14 عضواً جديداً في حلف الناتو، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. وقد أجرى الناتو خلال العام الماضي سبع مناورات مشتركة مع أوكرانيا التي لا تبعد عن موسكو سوى 755 كيلومتراً فقط.
نعم أنا ضد الحرب لأننا نحن السوريين اكتفينا من ويلاتها، لكنني لا أستطيع أن أفهم من يعملونها في ثيابهم نكاية بروسيا. فكيف يمكن لأي مواطن سوري أو عربي أن يكون صادقاً في تضامنه مع أوكرانيا، عندما يصمت عن الحرب الإجرامية التي تشنها الرجعية العربية على اليمن، على سبيل المثال، وخاصةً أن قوات العدوان تقوم حالياً بإنشاء قاعدة عسكرية بريطانية إسرائيلية جديدة قريبة من سواحل مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة اليمنية!