في تحليله العسكري للعملية الروسية العسكرية ضد أوكرانيا استخلص قائد قوات اللواء الشمالي ومدير الكليات العسكرية الإسرائيلية سابقاً الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيرشون هاكوهين، بعض الدروس التي يتعين على جيشه وضعها في حسابه، فهو يبين في مقال نشره أول من أمس في موقع المجلة الإسرائيلية «إنتاج المعرفة» الصادرة بالعبرية أن «العملية العسكرية الروسية كشفت إخفاق النموذج الضيق الإسرائيلي في الحروب»، ويحدد اتجاه هذا الفشل حين يركز على النقص الحاد في عدد «القوات البرية الإسرائيلية»، ويقول علناً: «ليس سراً أن نرى أن القوات البرية الإسرائيلية شهدت في العقود الماضية عملية تقليص مستمر في عددها وبخاصة في سلاح المدرعات، وما زال هناك من يطالب بزيادة هذا التقليص بل وبتغيير نظام التجنيد الإلزامي»، ويقارن في تحليله بين دول أوروبية قررت تقليص عدد قواتها البرية ويقدم مثالاً ألمانيا التي لا يزيد عدد دباباتها على 400، لأنها تعتمد على قوة دول الأطلسي الشاملة، في حين يزيد عدد دبابات روسيا الاتحادية على 20 ألفاً، وبالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي يرى هاكوهين أن هذا الجيش انشغل بعد حرب تشرين عام 1973 في تقليص دور القوات البرية والعمل على تعويض انخفاض عددها بما تتيحه التكنولوجيا العسكرية الأكثر تحديثاً إلكترونياً وخاصة في الأسلحة المتطورة وتقنياتها الذكية.
يذكر هاكوهين أن إيهود باراك كان من أوائل من طرح فكرة تخفيض عدد القوات البرية بهدف بناء «جيش النخبة المسلح بالوسائل القتالية الذكية» في عام 1999 حين تولى رئاسة الحكومة، ويبدو أن هاكوهين يؤكد في تحليله هذا على حقيقة وجود نقص حاد في القوة البشرية العسكرية الإسرائيلية، ويدعو إلى العودة إلى الاعتماد على زيادة عددها لأن قيادة الجيش بنظره «بدأت تستبعد خوض الحروب الشاملة على عدة ساحات في العقدين الماضيين ويزداد انشغالها بمواجهة انتفاضات ولاعبين مسلحين من غير الدول في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، برغم التهديدات المتزايدة من جبهة الشمال».
يبين هاكوهين أنه «في ظل واقع كهذا يتعين تعزيز القوات البرية وقدراتها حتى لو اقتصرت الحرب الشاملة على ساحة واحدة»، وهو يكشف أن الجيش امتنع في الحرب الأخيرة على قطاع غزة في أيار 2021 عن العمليات البرية أو الاجتياح البري نتيجة هذا النقص والمخاوف المتزايدة من الفشل.
يبدو أن هاكوهين يتجنب الإشارة إلى أهم العوامل التي جعلت جيش الاحتلال يفتقر للقوة البشرية المطلوبة وهو عامل زيادة الهجرة العكسية للمستوطنين نحو أوطانهم في أوروبا أو التوجه لكندا والولايات المتحدة دون عودة، لأن هذه الزيادة في الهجرة العكسية خلال العقود الثلاثة الماضية رافقها انخفاض حاد غير مسبوق في الفترة نفسها لعدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وهذا العامل كان قد نتج عن إخفاق جيش الاحتلال ومنظوماته الأمنية في ضمان الأمن الفردي والشامل للمستوطنين نتيجة المقاومة الفلسطينية في داخل الأراضي المحتلة ومن حول حدود فلسطين الشمالية، حيث تزداد قدرات حزب اللـه الصاروخية والقتالية ومن حدود الجولان المحتل حيث تزداد قدرات الجيش السوري في مجابهة العدوان الإسرائيلي، وفي الجنوب حيث توجد فصائل المقاومة وصواريخها الموجهة لمستوطنات الاحتلال ومدنه وقواته، فقد شكل هذا العامل السبب الأساسي في تزايد النقص البشري في قوات العدو والعجز عن زيادة أعداده، والمستوطنون في الأراضي المحتلة يدركون أن المقاومة تحاصرهم من الداخل ومن حدود الجنوب ومن حدود الشمال وهذا ما جعلهم يرفضون الاستيطان في الجولان المحتل برغم كل الإغراءات لأنهم يدركون أن منطقة الجولان المحتل ستتحول إلى ساحة معارك يشنها الجيش السوري ويغادرون مستوطنات غلاف قطاع غزة لأنهم شاهدوا كيف تساقطت الصواريخ على مستوطناتهم القريبة من حدود قطاع غزة في حين يحيط بهم في داخل فلسطين المحتلة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس وداخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 إضافة إلى مليونين من قطاع غزة.
الزمن لم يعد يعمل لمصلحة هذا المشروع الصهيوني لا على المستوى المحلي والإقليمي ولا على المستوى الدولي، فبعد العملية العسكرية الروسية التي شلت قدرات دول الأطلسي والولايات المتحدة، وأثبتت عجزها عن حماية حليف مركزي مثل أوكرانيا، أصبح العالم عاجزاً بعد هذه العملية، للعودة كما كان قبلها، وستتجه تطوراته نحو إحباط كل ما تخطط له الإمبريالية الغربية وحليفتها في الكيان الإسرائيلي من أشكال الهيمنة والعدوان.