ثقافة وفن

ماهية الوعي النفسي دراسة في المراحل السلوكية … الموضوعة الأساسية هي التوفيق بين الفلسفة والدين في العصر الوسيط

| سارة سلامة

صدر عن الهيئة السورية للكتاب دراسة بعنوان «ماهية الوعي الفلسفي»، للدكتور علي محمد إسبر، تقع في 544 صفحة من القطع الكبير، ويهدف الدكتور إسبر من هذا الكتاب استخلاص الخصائص الرئيسية للوعي الفلسفي في تاريخ الفلسفة من أجل تبيان حقيقة باقية، حقيقة أن للتفكير الفلسفي مناهجه الخاصة وموضوعاته الإشكالية التي لا يلبي الزمان إمكانية البحث فيها، وهذا ما يميز الوعي الفلسفي عن مختلف ضروب الوعي الأخرى عند البشر، ولا يعني وجود ماهية للوعي الفلسفي أي جمود أو سكون في طبيعته، بل هو قابل للتجدد دائماً على مستوى المناهج والموضوعات، لكن هذا لا يدل على فقدان التفكير الفلسفي لخصوصيته الفريدة التي بدأت معه منذ ظهوره، إذ إن هذا الوعي ذاته قادر على تقديم إجابات عن الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى مثل: لماذا كان ها هنا وجود ولم يكن بالأحرى عدم؟

أهداف الدراسة

كما أن الكتاب يهدف ليكون بمنزلة محاولة لتحديد «ماهية الوعي الفلسفي»، بناء على أنه من الممكن الوصول إلى هذه الماهية، بوصفها جماع الخصائص الثابتة، والمهمات الأساسية، والتوجهات المنهجية المحددة، التي تميز الوعي الفلسفي، الواقع أن تحقيق هذا الهدف لا يكون بالتركيز، على فيلسوف بعينه، أو على مرحلة فلسفية مخصوصة، إنما يكون، بوساطة عملية استقصاء، موضوعها، هو تاريخ الفلسفة في تجلياته الأكثر أهمية.

ويوضح إسبر العلاقة بين الوعي الفلسفي والوعي الديني حيث: «إن الموضوعة الأساسية في فلسفة العصر الوسيط المسيحي، تتجلى في محاولة التوفيق بين الفلسفة والدين، وقد فهمت الفلسفة على أنها تتجلى في محاولة التوفيق بين الفلسفة والدين، كما فهمت على أنها تابعة للاهوت، والفلسفة في صميمها، يجب أن تنتهي إلى حقائق كان قد أكدها الإيمان الديني، وسبب ذلك بالنسبة إلى القائلين به، هو أن اتفاق الإيمان الديني والفلسفة يأتي ببساطة شديدة من أنه يصل إلى مجموعة من الحقائق، ولما كانت الحقيقة لا يمكن أن تتناقض مع حقيقة أخرى، فإنه لا يمكن أن يكون ثمة تناقض بين الفلسفة والدين».

كائن علائقي

ويقف إسبر عند الوعي الفلسفي والمشكلة الفلسفية ويقول: «إن الموجود الإنساني لا يمكن فهمه إلا بفهم علاقته بالوجود العام، فالإنسان كائن علائقي أي إن طبيعة وجوده ترتبط صميمياً بشبكة العلاقات المعقدة التي تستغرق كيفية وجوده وطبيعة حياته، وهذا يؤول إلى أن العلاقة بين الإنسان كموجود مفرد والوجود العام هي مشكلة جديدة، إلا أن الإنسان لا يستطيع أن يبقى موجوداً داخل نفسه فقط، بل هو يوجد خارجها، أي إنه يوجد ضمن الوجود، وحالة التضمن هذه التي تكتنف الإنسان رغم كونها حالة خارجية، إلا أنها رغم ذلك ذات دور أساس في وجوده الذاتي. وهنا يظهر أن الوجود الإنساني ذاتي وموضوعي في الوقت نفسه، فلا يمكن أن يكون وجود الإنسان مستقلاً إزاء وجود العالم، فالوجود عموماً يضطلع بمهمة تشكيل الوجود الإنساني نفسه، وعليه فإن علاقة الإنسان بالأشياء والموضوعات والموجودات الأخرى هي علاقة صميمة إلى أبعد حد».

نتاج للتكيف الاجتماعي

ويكشف إسبر أن الأخلاق النظرية عموماً التي يسعى الوعي الفلسفي إلى تأصيلها على أساس أن تكون المعايير العامة المشتركة بين البشر المبنية على أسس وقواعد وقوانين عامة: «تتعرض لنقد عنيف يعرضها للاجتثاث من جذورها وبشكل خاص في العصر الحاضر من قبل علم النفس وعلم الاجتماع، والواقع أن هذين العلمين الاجتماعيين بعينهما يتضافران أساساً على إيجاد عقبة كأداء أمام الأخلاق المنهجية والبحث العقلي في النظم الأخلاقية، هذه العقبة هي اقتناع كل علماء النفس، ومعظم علماء الاجتماع- وهو اقتناع تؤيده أدلة دائمة التزايد- بأن الإنسان حيوان لا عقلي يفتقر سلوكه حتى في الحالات التي يبدو فيها أخلاقياً ومراعياً للقيم تماماً، إلى أي منطق أو تعقل، ويضيف عالم الاجتماع إلى هذا الاقتناع أدلته على أن الإنسان هو إلى حد بعيد نتاج للتكيف الاجتماعي، الذي يكون في كثير من الأحيان فعالاً إلى درجة تؤدي إلى تشويه الأحكام الأخلاقية إلى حد يغدو فيه أي ادعاء بأن هذه الأحكام موضوعية أو صحيحة تثير السخرية».

المؤلف

والدكتور إٍسبر من مواليد مدينة جبلة 1975 وحاصل على درجة الدكتوارة في الآداب، قسم الفلسفة «كلية الآداب جامعة دمشق»، وهو مدرس في قسم الفلسفة، ولديه عدد من المؤلفات منها: الوجود ومفسروه، فلسفة العالي والمتعالي، التحليل الأنطولوجي للعدم.

إضافة إلى نشره لعدد من التحقيقات وعدد من الأبحاث والمقالات في مجلات ودوريات عربية وداخل سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن