شؤون محلية

«ريان» الذي خرج وتركنا في قعـر البئر/مقاربة مؤسساتية

| د. سعـد بساطـة

لعلّي لن أُضيف شيئاً على الملايين الذيـن كتبوا عن (ريان وبئره).. أنا ومن هم حولي كانوا هناك معه من أول الوقوع نفَساً بنفس وصراخاً بصراخ واستغاثةً باستغاثة..!

ولكنني أبغـي التحدث –بمبدأ الشيء بالشيء يذكر- عـن الأزمات التي تحيق بالمؤسسات (وبالأشخاص والدول)؛ وحول تشخيصها ومعـالجتها؛ والأهم: تفاديها!

تعريف عمليّة حلّ المشكلات بأنها طريقةٌ منهجيّةٌ أو عمليّةٌ عقليّةٌ يستخدم فيها الفرد تفكيره مع ما يتوفّر لديه من خبرات ومهارات ومعارف مكتسبة وتجارب سابقة من أجل مواجهة الحالات أو الصعوبات أو المواقف المكوّنة للمشكلة، والهدف العودة لتحقيق الهدف المراد، إذن هي نشاطٌ ذهنيٌّ تنتظم فيه تجارب العقل وخبراته السّابقة ومكونات موقف المشكلة لتحقيق الهدف الأساسي قبل حدوثها.

الخطوات محدّدة ويمكن أن نجملها كالتالي:

تحديد المشكلة تتمثّل هذه المرحلة باكتشاف ماهيّتها وتكوين فكرة واضحة حيالها من خلال التعرّف إلى عناصرها والأسباب المكوّنة لها والتي أدّت إلى تشكّلها.

توفير الخيارات أو البدائل الممكنة: بهذه المرحلة استمطار جميع الأفكار الممكنة لإيجاد وخلق حلول مقترحة يمكن أن تقدّم علاجاً للمشكلة، ولا اعتبار في هذه المرحلة لموثوقيّة الحلول المقترحة أو تقييمها، إنّما توقّع المتاح بأكمله لتحدث المفاضلة لاحقاً بين البدائل المقترحة وفق معايير تتناسب مع الظروف.

تقييم الحلول: تعتمد عـلى نتاج عمليّة العصف الذهنيّ التي ولّدت مجموعةً من الحلول المقترحة للمشكلة، إذ تختبر الحلول المقدّمة جميعها ضمن معايير المفاضلة لعوامل حدوث المشكلة ونتاجاتها، وتقيّم الحلول بناءً على ما تقدّمه من تأثير على الموقف بصورة مثلى.

اختيار الحلّ المناسب: ويعتمد الاختيار الحلّ المناسب عـلى نتائج تقييم الحلول المقترحة لاختيار الحلّ الأكثر مناسبةً لظروف المشكلة ومتغيراتها.

تطبيق الحلّ: تمثّل خطوة تطبيق الحلّ النموذج الانتقالي من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التطبيق والإسقاط الواقعي، وتتضمّن خطوات عديدة قد لا تنجح بتحقيق أهدافها بالمحاولة الأولى.

المراجعة: يحتاج حلّ المشكلات لخبرة وتعلّم وممارسة ودراية، وهنا ننتقل لتقييم واضح لمسار كلّ خطوة وإجراء التعديلات اللازمة التي تتطلّبها المتغيّرات حسب ما تظهره نتائج المراجعة.

ينبغي أن يتمتّع الخبير في حلّ المشكلات بخصائص سوف تمكّنه من فهم تفاصيل المشكلة وحلّها بأسلوب إبداعي؛ كأن يكون ذا اتّجاه إيجابي مثابر يؤمن بمواجهة العقبات.

كانت تمرّ الدقائق والساعات والأيام علينا.. كنّا عمياناً نبحث عن طريق تعيد إلينا أعيننا التي سكنها التراب.. كنّا هناك نناشد الدول أن ترفع عنّا صخورها الثقيلة وأن تركض نحونا بالزاد والزوّادة.. كنّا نتلمّس «ريّان» بيننا بأعوامه الخمسة ونعي أن العالم كلّه متوقّف عنده ولا أحد ينظر إلينا معه؛ لكننا قلنا إن خرج بخير وسلام فسنقتفي أثره خلسة عن العالم وهو مشغول بالاحتفال..!

لكنه القدر.. تقف أنفاس الطيور قبل البشر في لحظة خروج «ريّان» ترقص الدنيا متشابكة مع دموع الفرح.. لحظات ليست كاللحظات… وبعد أن نتجهز لبدء الاحتفال تتحوّل دموع الفرح إلى دموع حارقة مملوءة بالألم والدهشة القاتلة..! خرج «ريّان» جثّة هامدة.. وانقلب العرس إلى مأتم.. ولكننا ما زلنا عالقين هناك تحت الأرض وكلّ جماعة في بئرها اللعينة.. فأرجوكم واصلوا جهودكم.. لا تتوقّفوا.. لا تديروا لنا ظهوركم.. وأخرجونا من ظلماتنا إلى نور الحياة.. نريد أن نكون نجوماً في السماء لا بترولاً تحت الأرض..!

أيها المديرون ظهوركم: يكفي ما سقط من كلّ «ريان» وأنقذوا ملايين الـ«ريان» ما زالوا تحت صخوركم وأتربتكم بلا خطط مستقبلية ولا أحلام لديهم سوى الخروج..!

ما هذا الامتحان العصيب الذي أدخلت به العالم يا ريان. كم نفساً شهقت وكم قلباً تضرع وهم يسمعون نداءك الأول «ارفعوني»! ثم توسدت ساعدك، ونمت.

وكان طبيعياً أن نتذكَّر انشغال العالم في سبتمبر (أيلول) 2015 بصورة جثة الطفل آلان، الكردي/السوري، وهي ملقاة على شاطئ المتوسط بعدما خان «قارب الموت» ركابَه، ومن عادة «قوارب الموت» أن تخون. أسدل الستار على قصة الطفل والبئر. والحقيقة هي أن أمواج التعاطف هذه لا تغير كثيراً في مسار البشرية. المستقبل تصنعه الاقتصادات والترسانات والمخططات والمناورات وعلاقات القوة التي لا تتوقف طويلاً عند وقوع الدول الصغيرة في آبار يتعذَّر عليها الخروج منها من دون اللجوء إلى مظلات قوية لصوغ مستقبلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن