قضايا وآراء

أغلى تكلفة فطور بالتاريخ

| أحمد ضيف الله

أعلن البنك المركزي العراقي في الـ21 من كانون الأول 2021، أنه تم تسديد «الدفعة الأخيرة المتبقية من تعويضات دولة الكويت البالغة 44 مليون دولار أميركي، وبذلك يكون العراق قد أتم سداد كامل مبالغ التعويضات التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التابعة لمجلس الأمن الدولي»، التي أنشئت في أيار 1991 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 692، والبالغة 52.4 مليار دولار أميركي كتعويضات لنحو 1.5 مليون مطالبة أُقرت لأفراد وشركات أغلبها كويتية، ولدول وجهات ومنظمات دولية أخرى منها، الأردن وإسرائيل، سُدد بعضها على أساس أضرار لحقت بالبيئة التي سببها حرق آبار نفط الكويت.

الأموال التي كانت تستقطع من واردات النفط لمصلحة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، بدأت بنسبة 30 بالمئة من قيمة كل برميل نفط عراقي مصدر، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، أصدر مجلس الأمن قراراً في 22 من أيار 2003 برقم 1483، أنشأ بموجبه صندوق التنمية للعراق، وبموجبه أُلزم العراق بإيداع 95 بالمئة من مقبوضات صادرات مبيعات النفط ومنتجاته والغاز الطبيعي في الصندوق، وإيداعها لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فيما يتم تحويل الـ5 بالمئة المتبقية إلى حساب صندوق التعويضات للأمم المتحدة، إلا أن هذه الاستقطاعات توقفت من العام 2015 إلى العام 2017، بسبب الحرب على تنظيم داعش والوضع المالي الصعب الذي مرَّ به العراق جرّاء تدني عائدات النفط، ثم استؤنفت عام 2018 باستقطاع 3 بالمئة من قيمة كل برميل نفط عراقي مصدر، وفق الآلية نفسها.

بعد نحو 30 عاماً من اجتياح العراق للكويت، أعلنت لجنة التعويضات بالأمم المتحدة في الـ9 من شباط 2022، أن «العراق استكمل دفع 52.4 مليار دولار لتعويض الأفراد والشركات والحكومات الذين أثبتوا أنهم تعرضوا للأضرار بسبب غزوه للكويت واحتلاله له في 1990». وفي الـ23 من شباط 2022، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع أنهى بموجبه رسمياً تفويض «لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت في 1990»، بعد أن «أنجزت مهمتها»، مؤكداً أن الحكومة العراقية لم تعد مطالبة بأن تدفع للصندوق الذي تديره اللجنة «نسبة من عائدات مبيعات صادراتها من النفط والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي».

قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في الـ23 من شباط 2022، تعلق حصراً بملف التعويضات العراقية للكويت، ولم يتضمن نصاً واضحاً وصريحاً، بخروج العراق من الفصل السابع، مثلما يتناوله البعض ومن بينهم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي بارك للشعب العراقي في كلمة له في مجلس الأمن خلال جلسة الإحاطة بملف التعويضات، «إنهاء الالتزامات الدولية وخروج العراق من إجراءات الفصل السابع»، إذ ما زالت هناك ملفات أخرى مفتوحة، مثل ملف الأسرى والمفقودين الكويتيين، والأرشيف الكويتي، الذي سيمهد إغلاقها الطريق أمام خروج العراق من الفصل السابع.

ليلة الثاني من آب 1990، تردد أن صدام حسين اتصل بأمير الكويت جابر الأحمد الصباح، وقال له: «الصبح الويلاد (الأولاد) يتريكون (يفطرون) عندك». الفطور هذا كلف الشعب العراقي 52.4 مليار دولار، ويا ليتها توقفت عند هذه التكلفة، بل كلف العراقيين عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين، وخسائر مادية مفزعة في تحطيم وتدمير منشآت العراق العسكرية والمدنية وبناه التحتية مازالت آثاره مستمرة إلى الآن، والأقسى من كل ذلك ضياع سيادة العراق باحتلاله لاحقاً من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في آذار 2003، ومن ثم دخول العملية السياسية فيه حلبة صراع لا تنتهي.

إن ما حصل كان ظالماً بالمقاييس كلها، فقد نكل بقسوة بالشعب العراقي الذي لا ذنب له، رغم مواقف كل قواه السياسية المعارضة لنظام صدام حسين آنذاك، المنددة باحتلال الكويت، ودفع بالنتيجة العراق والمنطقة ثمن حماقات حاكم مغرور، ما زلنا حتى الآن نتلقى ارتداداتها.

الأمم المتحدة هي الأخرى كانت تسرق أموال الشعب العراقي، فأعضاء لجنة إدارة التعويضات المالية المكونة من: أميركا وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا وكندا، كانت تستقطع 500 مليون دولار سنوياً كمصاريف ورواتب لأعضائها! من دون أن يُسمح للدولة العراقية الاطلاع عليها، تماماً مثلما كانت تسرق أموال العراقيين أيضاً من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء.

الدمار الذي حل بالعراق، عبرة لكلّ من يشعر أن لديه فائض فهمٍ، أو فائض مالٍ، يعتقد أنه يستطيع من خلاله فرض إرادته على هذه الدولة أو تلك، وفق نزوات ودوافع مريضة، وحقد متأصل مسموم، كالذي طال دولاً يسمونها «القومجية» و«الثورجية»، على أمل أن يوفر الخراب والفوضى والدمار الذي تسببوا به الأرضية المناسبة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن