لا أحد يمكنه التنبؤ كيف ستنتهي هذه الحقبة والعالم ضاق ذرعاً من الهيمنة الغربية … شعبان: الحاجة ماسة لنظام عالمي جديد يحترم سيادة الدول والقانون الدولي
| الوطن
أكدت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان، أن الحرب القائمة اليوم في أوكرانيا لها علاقة بتراكمات العلاقات الروسية الغربية وعمرها أكثر من نصف قرن، مبينة أنه نتيجة علاقاتنا التاريخية مع روسيا وتفهمنا لتجارب بعضنا بعضاً، ودون أن ننسى الموقف المشرف لموسكو مع دمشق في حربها على الإرهاب، نقول: إن هناك أكثر من عامل لوقوفنا اليوم مع روسيا.
وفي مقابلة مع الإعلام الرسمي أكدت شعبان، أن ما يجري هو نتيجة طبيعية لتراكم تاريخي بين الغرب وروسيا ولم يكن هناك أي خيار آخر لدى روسيا، لأن كل العهود والمواثيق لم ينفذ الغرب منها شيئاً، ولم يكن هناك أي خيار آخر لها والأمر مرتبط بأمنها القومي ومصالحها وكان لابد من محافظة روسيا على أمنها القومي، معتبرة أن الحرب القائمة اليوم في أوكرانيا لها علاقة بتراكمات بالعلاقات الروسية الغربية عمرها أكثر من نصف قرن، حتى من أيام الاتحاد السوفييتي عندما كان الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ريغن يعمل على حرب النجوم، وكشفت الوثاق الروسية أن روسيا كانت قلقة جداً حيث كانت الولايات المتحدة تعمل ضدها والرادارات الروسية كانت تكشف محاولات واشنطن لضربها، وحتى في عامي 1989 و1990عندما قاد الرئيس الأسبق جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر المفاوضات مع الرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف حول دخول ألمانيا الموحدة للناتو، كان هذا صعباً على روسيا لأن ألمانيا قادت حروباً ضدها، لكنها وافقت شريطة ألا يتحرك الناتو إنشأ واحداً شرقاً، وألا يزداد أعضاء الناتو، وفي ذلك الوقت كان تعداد أعضاء الناتو 12 دولة واليوم باتوا 30 دولة لأنهم لم يلتزموا بما تعهدوا به، ثم أتت حرب الشيشان الأولى والثانية ضد روسيا، حتى إن روسيا طلبت أن تكون عضواً في الناتو ولم يقبلوها.
وتابعت شعبان: في سورية لدينا التجربة نفسها مع الغرب عندما زار وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر سورية عام 1974 وتحدث عن ضرورة قيام عملية سلام وسورية وافقت عليها ووافقت على قرار مجلس الأمن رقم 242، وخاضت عملية السلام وفي كل مفصل لم يصدق الغرب مع سورية، وبالتالي لسورية التجربة نفسها مع روسيا وهي تتشاطر وتتشارك مع روسيا في تقييمها للغرب.
وشددت شعبان على أنه نتيجة علاقاتنا التاريخية مع روسيا وتفهمنا لتجاربها فنحن نفهم بعضنا بعضاً دون أن ننسى الموقف المشرف لروسيا مع سورية في حربها على الإرهاب وأخذها أكثر من 12 فيتو لصالح سورية في مجلس الأمن، كما أنها شاركت مشاركة فعالة في الحرب التي خاضها الجيش العربي السوري في الحرب على الإرهاب، وبالتالي هناك أكثر من عامل لوقوفنا اليوم مع روسيا، فهناك الفهم المشترك والتقييم المشترك والعلاقة المشتركة، وكل هذا أدى إلى ما تفضل به الرئيس بشار الأسد في حديثه مع الرئيس فلاديمير بوتين وفي الموقف الذي اتخذته الدولة السورية في هذه الحرب.
واعتبرت شعبان أن الولايات المتحدة ترغب في جر روسيا إلى مكان تنهي فيه قدرتها على أن تقول لا للغرب، لكن هذه الحرب ليست قراراً غربياً، بل ما أقدمت عليه روسيا هو نتيجة حسابات قامت بها، ووجدت أن الخسارة ستكون أكبر بكثير إذا لم تتخذ موقفاً وفعلاً ما، وأضافت: «نحن في ظل هذا الضخ الإعلامي المضلل، علينا الوقوف على الحقائق وإدراك أن أوكرانيا ملاصقة لروسيا، وشريك تاريخي إستراتيجي وحيوي وتاريخي لروسيا، ولا يمكن لروسيا أن تقبل أن تنضم أوكرانيا للناتو أو أن تكون دولة نووية على حدودها، لأن هذا سيكون دماراً لها وبالتالي قرار روسيا كان لتجنب خسارة أكبر لها».
وأشارت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية إلى أن الضخ الإعلامي ضد روسيا لتخويفها يذكرنا بالضخ الإعلامي على سورية منذ عام 2011، حيث اخترعوا فيديوهات ومواقع، واليوم وفقاً للوثائق التي تفصح عنها هذه الدول، نرى أن بريطانيا دفعت مئات الملايين من الدولارات لتغذي من سمتهم بشهود العيان والإعلام المضلل ضد سورية، فهذا التضليل الإعلامي موجود لكن روسيا كان لابد لها أن تتصرف بهذه الطريقة للحفاظ على استقلالها وأمنها القومي، لافتة إلى أن المشكلة هو أن أميركا والغرب يطبق على نفسه مالا يرضى تطبيقه على الآخرين نتيجة النظرة الاستعلائية لدى الغرب على الشعوب.
ولفتت شعبان إلى أن أحد أهداف الحرب هو أن العلاقة بين روسيا وألمانيا وصلت لمستوى جيد وخصوصاً مع إنجاز خط «السيل الشمالي2»، والجاهز للإطلاق، ولذلك تخشى أميركا أن تصل هذه العلاقة لتشابك بالمصالح، وهذا يهدد العلاقة بين الولايات المتحدة وألمانيا، مبينة أنه حتى المستشار الألماني قال أمس إن الحديث عن تحقيق أمن أوروبا من دون روسيا هو أمر مستحيل، أي أن هناك تمايزاً بين الموقف الألماني وبين الموقف الأميركي الغربي بالنسبة لروسيا وهذا يشكل أحد الأهداف التي خشيتها أميركا إذا أصبحت روسيا متحالفة مع ألمانيا يمكن أن يؤدي هذا لخطر على القواعد الأميركية في ألمانيا وممكن أن يكون له ارتدادات في المستقبل.
واعتبرت شعبان أنه من السخرية بمكان أن يقوم المستوطنون الإسرائيليون المحتلون، بالاعتراض على عملية عسكرية هدفها واضح ومحدد وله علاقة بالأمن القومي الروسي، مشيرة إلى أنه بالنسبة للموقف التركي فتركيا منذ البداية لم تعترف بانضمام القرم لروسيا كما لم تعترف واستنكرت ضم روسيا لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، لافتة إلى أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان يحاول إرضاء كل الأطراف لكنه بالنهاية هو عضو بالناتو ولاشك أن الروس يرون ما نراه بالنسبة لاردوغان وبالنسبة لإسرائيل، وقالت: «الأيام ستكشف كيف ستتطور العلاقات في المستقبل لكن لاشك أن مواقف الدول مما يجري بين روسيا وأوكرانيا سيكون لها حساب يحسب في المستقبل».
وأضافت: «أعتقد أن تطور الأحداث هو أبطأ بكثير من رغبات الناس والتحليلات، والعلاقات بين الدول لا تنتهي ولا تأخذ منحى حاداً بين عشية وضحاها، والعلاقات بين الدول تحتاج إلى وقت وبراهين وتقييم آني ومستقبلي حتى تأخذ المنحى المطلوب، ولاشك أن الموقف التركي القائم حالياً تجاه روسيا ليس لصالح العلاقة الروسية التركية».
وبالنسبة لتأثير ما يجري في العلاقات الروسية التركية على الملف السوري بينت شعبان أن العلاقة متأثرة منذ زمن، فالاتفاق الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أردوغان في آذار 2020 لم ينفذه أردوغان، والروس الذين يدينون الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، يحاولون بطرق مختلفة جعل أردوغان يلتزم بما تعهد به بالنسبة للملف السوري، لكن السياسة تأخذ مناحي مختلفة وليس بشكل حاد.
وحول تأثير الحرب الدائرة اليوم على الاقتصاد السوري، أكدت شعبان أن سورية وضعت خطة عمل منذ فترة من الزمن لأن سورية موجودة في معترك، وعندما بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اجتمعت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء واتخذت قرارات مهمة، لأنه وكما نرى اليوم هذه أزمة عالمية والأسعار ترتفع في كل أنحاء العالم وحوامل الطاقة والقمح ترتفع أسعاره، وسورية تتخذ كل الإجراءات لمواجهة هذا الازدياد الذي يأتي على الأسعار، أما بالنسبة للموقف السياسي فهو واضح لأنه لا يوجد لدينا أوهام بالنسبة للغرب.
شعبان أشارت إلى أن الدول تعاني من عدم الالتزام بالقانون الدولي، فكل العقوبات الأميركية الغربية وغزو العراق وأفغانستان وضرب سورية كلها خارج القانون الدولي والغرب لم يتركوا قانونا دولياً سارياً على الجميع، حتى المقالات الغربية تقول: إن السبب الأساسي لما يجري اليوم، هو شعور الغرب باستثنائيته وأنه يستطيع عمل ما يريد وبأنه فوق القانون، مشيرة إلى «مبدأ مونرو» المطبق من قبل الولايات المتحدة، والذي لا يسمح لأحد في فضاء الولايات المتحدة أن يهدد أمن أميركا فكيف لأميركا الحق في تهديد روسيا.
شعبان أكدت أن العقوبات مؤلمة لكل الأطراف ليس فقط لروسيا، وإنما حتى لأوروبا فحوامل الطاقة ارتفعت بشكل جنوني وأوروبا ستبرد إذا لم يصل الغاز الروسي، ولا أحد يمكنه التنبؤ كيف ستنتهي هذه الحقبة، لكن لاشك أن العالم ضاق ذرعاً من الهيمنة الغربية وما يتفق عليه الغرب هو فرض العقوبات على الدول، وهذا أمر لم يعد مقبولاً لدى البشرية، لذلك فإنه مع صعود روسيا والصين لابد أن يصبحا قطبين أساسيين في القرار الدولي وقد تكون العملية الحاصلة اليوم هي الإيذان الحقيقي لتأسيس هذه الأقطاب لنظام عالمي جديد، لأننا نعيش اليوم ضمن نظام أفرزته الحرب العالمية الثانية ولم تترك منه أميركا شيئاً.
وتحدثت شعبان عن القرار الذي وضعته الولايات المتحدة لإدانة روسيا في مجلس الأمن، وقالت: كان لافتاً أن الهند والصين والإمارات امتنعت عن التصويت، وهذا يدل على بداية وعي بأن الغرب لا يراهن عليه والغرب لا يحترم تعهداته، وليس أميناً لأي أحد يخدمه ضد مصلحة بلده، وقالت: «يجب أن تعي البشرية أن الحاجة ماسة لأجل نظام عالمي جديد يحترم سيادة الدول والعلاقات بين الدول، ويحترم القانون الدولي».
وأشارت شعبان إلى أنه خلال السنوات الماضية كان هناك عدم قدرة تجاوز أن الغرب في حالة شبه انحدار والشرق في حالة صعود، لكن لم يستطع أي منهما حسم الموضوع وقد يكون ما نشهده اليوم بداية حسم للموضوع لصالح عالم متعدد الأقطاب على أسس مختلفة تحترم القانون الدولي وسيادة الدول، وهذا يعتمد على ردود أفعال الدول وطبعاً الولايات المتحدة والغرب يضغطون لعدم السماح لذلك بالحصول، مشيرة إلى أن المؤسسة الغربية وخاصة الأميركية قائمة على بيع السلاح والحروب ولا يمكنها العيش من دون حروب.
شعبان اعتبرت أنه كان من المفروض أن يتغير الموقف الأوروبي خلال هذه الأزمة لأن مصلحة أوروبا مع روسيا، والموقف الألماني لم يحسم بعد والكثير من الآراء الألمانية تقول: إن مصلحة ألمانيا تقتضي التفاوض مع روسيا، لكن أوروبا خلال السنوات الماضية لم تكن ذات رأي مستقل بل كانت تابعة للولايات المتحدة في كل المواقف السياسية وما سيأتي من الأيام نتركه للأيام.
وكشفت أن سورية تعمل منذ زمن على تأسيس الشروط التي يمكن أن تساعدها على تحرير الأراضي المحتلة، وأضافت: «جيشنا وبلدنا لا ينتظر أي حدث حتى يؤسس عليه لتحرير الأراضي السورية المحتلة، وهناك الكثير من العمل الذي تقوم به الدولة السورية وبدعم من الأصدقاء الروس، وهم كانوا دائماً صادقين ومخلصين وموقفهم ضد الإرهاب ثابت وعملي وواضح»، مشددة على أنه لولا دعم ما يسمى «التحالف» الذي يدعي محاربته الإرهاب لتمكنت سورية من القضاء على الإرهاب نهائياً، ولكن هم يدعمون الإرهاب ويدعون محاربته في مفارقة كبيرة.
وأكدت شعبان أننا في سورية نقف بلا شك على الجانب الصحيح من التاريخ، ولاشك أننا مع الحلف الصحيح والعلاقة الروسية – السورية غارقة في القدم، والجيش العربي السوري منذ القرن الماضي تسليحه روسي وعلاقتنا مع روسيا تاريخية ومتينة، ومواقف روسيا خلال هذه الحرب عززت هذه العلاقة، واليوم تتفهم سورية الضرورات التي أدت إلى ما نحن فيه وهي بالنسبة لروسيا مرتبطة بأمنها القومي والتحدي الوجودي لها.
شعبان لفتت إلى أن هناك الكثير من الدول تخشى المواجهة لكن سورية واجهت لأن الحرب فرضت عليها كما فرضت على روسيا، وسورية ليست من دعاة الحرب ولا تريد الحروب لكن ماذا نفعل إذا كانوا يريدون تدمير البلاد وتغيير هوية البلد، وإذا كانوا يريدون أن تتحول البلاد لمجرد تابعة للغرب، فلا يمكن للإنسان الوطني الجلوس والتفرج فلابد من المواجهة والمقاومة، وقالت: «في النتيجة لا يصح إلا الصحيح ونحن على الجانب الصحيح من التاريخ، وإن شاء اللـه يكون ما نشهده اليوم إيذاناً بتحول عالمي لصالح الشعوب لأن الحروب دائماً مدمرة، وهي ليست لصالح الشعوب وليست لصالح الاستقرار وليست لصالح السلام، هي فقط لصالح من يريد أن يبيع الأسلحة ويهيمن على العالم وهذا له علاقة بالعقلية الاستعمارية»
وختمت بالقول: «إننا نشهد، إن شاء الله، آخر مرحلة من الحضور الاستعماري».