ثمة أسئلة كثيرة تطرح في عالم اليوم حول التحديات غير السياسية التي تواجه البشرية عموماً وخاصة في الدول النامية، وتداعيات هذه التحديات وسبل مواجهتها والحد ما أمكن من آثارها.
لدى البشرية شعور بأن الأمور لا تسير على ما يرام، بما في ذلك التهديد الوجودي للكوارث الطبيعية والبيئية والتحديات المرتبطة بالتقنيات الجديدة.
وهذه كلها ليست سوى بعض التحديات والمشكلات، البعيدة عن السياسة، التي واجهتها وتواجهها الدول النامية وفاقمها ظهور جائحة كورونا وما تعيشه من تحد بسبب الوباء، إن الكوارث المرتبطة بالبيئة والطبيعة وهطول الأمطار والأعاصير العنيفة والحرائق الضخمة للغابات المتكررة والشديدة، التي تعاني منها دول العالم بما ذلك الدول النامية، لطالما تسببت في إزهاق أرواح الآلاف، وألحقت أضراراً بالمليارات، ولكن ثمة شواهد تبعث على نوع من التفاؤل النسبي بأنه يمكن الاستعداد لها ومعالجة آثارها.
أثبتت جائحة فيروس كورونا الأهمية الحاسمة للاستفادة من البنية التحتية التكنولوجية والأدوات الرقمية من أجل الحصول على الخدمات الأساسية وحتى أجيال قليلة مضت، سارت البشرية على نهج الباحث مالتوس.
أدى النمو السكاني الناتج «من دون نمو متناسب في حجم الإنتاج، إلى إلغاء المكاسب التي تحققت، وكانت أفضل فرصة أمام المجتمع المالتوسي لتحقيق السعادة النسبية هي تعزيز عادة تأخير الزواج، وخفض معدل المواليد.
إننا الآن في العقد الثالث من القرن الـ21، وقد مرت البشرية بالتحول الديموغرافي، أي التحول من معدلات المواليد والوفيات المرتفعة إلى معدلات الوفيات المنخفضة، بفضل التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي.
ولم تعد نظرية مالتوس مثار جدل كبير، فالمشهد العالمي يشير أولاً، إلى إخفاق العالم في بناء مؤسسات حوكمة يمكنها إدارة المشكلات العالمية مثل تغير المناخ.
وثانياً، توزع ثروة العالم بطريقة غير معقولة ومروعة وإجرامية، فقد يكون لدى المليار شخص الذين يعيشون في الحضيض هواتف ذكية وبعض الفرص الضئيلة للوصول إلى الرعاية الصحية.
لقد كذبت العقود الأربعة الماضية الادعاء النيوليبرالي القائل: إن المجتمع غير المتكافئ من شأنه أن يطلق طاقات ريادية هائلة، ما يحقق المكاسب للجميع.
بعد عامين على تفشي جائحة كوفيد – 19 في العالم، نشهد حالة الطوارئ الصحية العالمية وأزمة اقتصادية باتت الدول النامية والأشد فقرا هي الأكثر تضررا منها.
وأدت الجائحة إلى ارتفاع معدلات الفقر وبددت الأزمة كثيراً من المكاسب الإنمائية التي تحققت على مدى الـ15 عاماً الماضية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والتغذية.
اليوم، تدفع الكوارث 26 مليون شخص إلى براثن الفقر سنوياً، وبالنسبة للأسر الزراعية التي لا تمتلك سوى مدخرات محدودة، وقد تؤدي موجات الفيضان أو الجفاف التي تدمر المحاصيل إلى آثار اقتصادية مدمرة، حيث يؤدي فقدان مصدر الدخل إلى تقليل إمكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية.
وفي الأمد الأطول تَحدّ الآثار في التعليم والصحة من آفاق المستقبل ولابد من اقتراح حلول للدول النامية لسد الفجوة الرقمية وتحسين الأحوال المعيشية للفئات الفقيرة.
يجب تعزيز التأهب لمواجهة الكوارث، والحد من آثارها، والتنمية الشاملة ومكافحة الفقر ضروريتان لحماية الفقراء من الكوارث، فتحسين سبل الحصول على الموارد المالية والفنية والمؤسسية سيجعلهم أكثر قدرة على التصدي لآثار تغير المناخ الذي يسبب معاناة دائمة للأسر وللشركات الصغيرة التي تعد محركات للاقتصادات المحلية في البلدان النامية، فهم يحتاجون إلى الدعم.
على سبيل المثال، إيجاد منازل مقاومة للأعاصير، ونظم ري أكثر كفاءة، وشبكات طاقة مصغرة قادرة على الصمود، حينما تقع الكوارث.
يساعد التكيف المجتمعات المحلية على مجابهة الآثار حينما تقع الكوارث، والتعافي سريعا، وتفادي العواقب طويلة الأجل، ويمكن أن تساعد أنظمة الإنذار المبكر على إنقاذ الأرواح، وتحقيق المنافع.
وتستطيع نظم الحماية الاجتماعية تقديم مساندة سريعة بعد وقوع كارثة طبيعية في الدول النامية، كما تؤثر تداعيات تغير الطقس في الإيرادات الضريبية، وميزان التجارة، وتدفقات رأس المال، ويتطلب ذلك تخطيطاً استراتيجياً على أعلى المستويات، ما يقوي قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه الصدمات، وذلك بتنويع هياكله الاقتصادية وتركيبة صادراته السلعية وقاعدته الضريبية، بالمقابل تتمثل التحديات الرئيسة لتحقيق الشمول الرقمي في نقص البنية التحتية، وغياب الثقافة الرقمية، ونقص الإلمام بالتكنولوجيا الرقمية وضعف التعليم في الدول النامية، حيث تتداخل تحديات الشمول الرقمي مع بعض قضايا اجتماعية، كالفقر وعدم المساواة بين الجنسين والهجرة وعدم توافر الخدمات الأساسية.
يمكن حل مشكلة نقص مرافق البنية التحتية الرقمية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص ودعم الحكومات، ويمكن الاستفادة من الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول للفئات المحرومة للحصول على الخدمات المالية كما يمكن للخدمات المالية الرقمية التي تقدمها البنوك وشركات الهاتف المحمول أن تعزز حصول الأفراد على الحلول المالية في المناطق التي تفتقر إلى فروع مصرفية.
إننا لا نستطيع الحيلولة دون وقوع التحديات غير السياسية كالكوارث بأنواعها الطبيعية وغيرها، لكننا في الدول النامية نستطيع اتخاذ الإجراءات الاحترازية وتأمين متطلباتها بالإمكانات المتوافرة، والتقليل من آثارها، ولاسيما على أشد الناس فقراً وأكثرهم احتياجاً وتأثراً.