من دفتر الوطن

الدراهم مراهم!

| عصام داري

في الوقت الذي يقول بعض الناس إن «المصاري زبالة» الدنيا، بمعنى أن المال يعتبر قمامة هذه الدنيا، فإننا نرى أن مسرات الحياة تحتاج إلى المال، حتى اللـه جل جلاله قال في الذكر الحكيم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) صدق اللـه العظيم.

أكثر من ذلك، فالمال قد يطيل الأعمار، فعندما يصاب الغني بمرض قلبي على سبيل المثال، أو بقصور كلوي، يستطيع زراعة قلب أو كلية وهكذا، أما الفقير فيختار أقرب طريق يؤدي إلى الآخرة فيذهب إلى البرزخ بانتظار يوم الحساب بصبر اعتاد عليه في حياته الدنيا.

فالشخص الذي يملك المال بإمكانه أولاً التمتع بمباهج الحياة على أنواعها وأشكالها وألوانها، من طعام وغذاء وسفر وسياحة تحمله إلى شتى أرجاء كوكبنا، بل أصبح بإمكان الأثرياء جداً السفر إلى الفضاء في رحلة تستغرق عدة أيام مقابل بضعة ملايين من الدولارات، ولأنني ممنوع من ذكر الدولار واليورو وحتى الين واليوان، فسأقول إن رحلة إلى الفضاء قد تكلف المواطن السوري عدة مليارات ليرة سورية، وأظن أن هناك أثرياء من سورية قادرين على السفر إلى الفضاء، مع دعواتي عليهم بأن تكون «روحة بلا رجعة»!.

لا تستغربوا ذلك، فأنا لا أعرف هؤلاء شخصياً، لكنني أعرف أنهم سرقوا قوت الشعب ونفطه وغازه وأتمنى لهم الكثير من الغازات وأن ترافقهم على مدار الساعة!.

الذي يملك المال يستطيع التداوي وشراء الأدوية مهما بلغ سعرها، وللمناسبة، منذ يومين شاهدت امرأة في الستينيات من عمرها وهي تشتم وتلعن عند خروجها من«الأكزخانة» أي الصيدلية فاقتربت منها وسألتها عن سبب غضبها فقالت بنزق: دواء مجبورة على تناوله ارتفع سعره خلال أسبوع واحد، فقلت: وقد يرتفع بعد ساعة واحدة.

هل تتوقعون جوابها لي؟ قالت لن أشتري الدواء بعد الآن، سأوفر ثمنه لأشتري صحن بيض ونصف أوقية جبنة!.

هل وصلنا إلى حد انتظار الموت لأننا لا نملك المال الذي يبقينا على قيود الأحياء؟.

يا خالة، معك كل الحق، فالدراهم مراهم كما يقولون، فلو كنت تمتلكين الدراهم كان بإمكانك شراء المراهم والأدوية وبعدها البيض واللحوم البيضاء والحمراء والخضراء «والمنيلة بألف نيلة ونيلة».

يبدو أننا مقبلون على ما هو أعظم، فقد سمعت محللين معتبرين يقولون إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستتسبب في مجاعة على مستوى العالم مع أزمة غاز ونفط، وما كان ينقصنا إلا أزمة الغاز والنفط، ونحن -وأقصد من لا يملكون الدراهم- في الحالة العادية نعاني من هذه الأزمة ومن الوقوف على الأفران والكازيات على حين يوزع علينا المازوت في الصيف كي نتدفأ في الشتاء!.

لو كنا نملك بعض المراهم، عفواً الدراهم، لتبرعنا بكل ما نملك للسادة الفاسدين، فربما يشبعون من دمنا، ولحمنا الطري، وتنتهي الرواية، لكن الذي يسرق المليون الأول يريد المليون الثاني، وهكذا.

سؤال يراودني طوال عمري: ماذا يفعل أصحاب المليارات بكل هذه الأموال؟ ولماذا يريدون المزيد من المال والأرض مع أنهم سيذهبون في يوم ما إلى مساحة مترين من الأرض تتسع لجيفتهم النتنة؟.

أعوذ بالله من كل طماع لا يشبعه مال ولا حلال، وصبراً أيها الفقراء فمثواكم الجنة إذا لم يحجزها الأثرياء مسبقاً!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن